بين الركام والنقل.. فرص الاقتصاد الضائعة بين الأنقاض!

الثورة – جاك وهبه

في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها سوريا نتيجة سنوات طويلة من النزاع وما خلّفته من دمار واسع في البنية التحتية، تُطرح تساؤلات جدّية حول الأولويات التي يجب التركيز عليها خلال مرحلة التعافي وإعادة الإعمار.

ومن بين القطاعات التي تحتل موقعاً محورياً في أي عملية نهوض اقتصادي، يبرز قطاع النقل واللوجستيات كعامل حاسم في تحريك عجلة الإنتاج، وتعزيز التجارة الداخلية والخارجية، وتقليص الفجوات التنموية بين المحافظات، إذ أدى تضرر جزء كبير من شبكة الطرق والسكك الحديدية، إضافة إلى تراجع كفاءة الموانئ والمعابر، إلى رفع تكاليف الإنتاج والنقل بشكل كبير، وهو ما انعكس سلباً على أسعار السلع، وأضعف القدرة التنافسية للمنتجات السورية في الأسواق الإقليمية والدولية.

بناء عليه، تأتي أهمية تطوير شبكات النقل ليس فقط كخطوة فنية أو بنية تحتية، بل كمكوّن استراتيجي من مكوّنات التعافي الاقتصادي، وركيزة ضرورية لجذب الاستثمارات وتحقيق نمو مستدام، ويُعد هذا القطاع من أكثر القطاعات التي تترابط مع غيرها من القطاعات الإنتاجية والخدمية، مما يجعله مفتاحاً لإطلاق طاقات الاقتصاد السوري الكامنة.

ركيزة أساسية

في هذا السياق، أكد الخبير في الشؤون الاقتصادية الدكتور يحيى السيد عمر أن تحديث شبكات النقل واللوجستيات يمثّل ركيزة أساسية لأي اقتصاد يسعى إلى النمو والقدرة التنافسية، مشيراً إلى أن هذا الدور يتضاعف في الحالة السورية، التي تمرّ بمرحلة دقيقة تتطلب إعادة بناء شاملة للبنية التحتية. وأوضح الدكتور السيد عمر، في حديث خاص لصحيفة الثورة أن أكثر من 40 بالمئة من شبكة الطرق في سوريا قد تضرّرت أو خرجت عن الخدمة، كما أن جزءاً كبيراً من شبكة السكك الحديدية التي كانت تمتدّ لمسافة تتجاوز 2500 كم قبل عام 2011 أصبحت خارج الخدمة، معتبراً أن هذه الفجوة تجعل من تحديث قطاع النقل أولوية وطنية ملحة لا تحتمل التأجيل.

على مستويين

وبيّن السيد عمر أن أثر تحديث شبكات النقل يظهر على مستويين، قصير المدى وطويل المدى، موضحاً أنه على المدى القصير يسهم تطوير هذه الشبكات في تسريع حركة البضائع وخفض أوقات الانتظار عند الموانئ والمعابر، الأمر الذي يُقلل التكاليف التشغيلية ويدعم القطاعات الزراعية والصناعية على حد سواء. وأشار إلى أن تقارير البنك الدولي تؤكد أن تحسين كفاءة النقل يمكن أن يخفض تكلفة السلع بنسبة تتراوح بين 10-15بالمئة، ما ينعكس مباشرةً في تعزيز الأسواق المحلية وزيادة القدرة الشرائية للمواطنين. كما أوضح أنه على المدى الطويل، فإن وجود شبكة نقل متطورة ومستدامة من شأنه أن يضع الاقتصاد السوري على مسار المنافسة الإقليمية، ويُساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية وخلق فرص عمل واسعة، إضافة إلى دوره في تقليص الفجوات الاقتصادية بين المناطق المختلفة داخل البلاد.

نماذج عالمية

وبيّن الخبير الاقتصادي أن النماذج العالمية تؤكد هذا الدور المحوري لقطاع النقل في التنمية الاقتصادية، مستشهداً بتجربة ميناء جبل علي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث أسهم الاستثمار في البنية التحتية واللوجستيات في تحويله إلى أحد أكبر الموانئ في العالم، مشيراً إلى أن هذا الميناء يسهم بأكثر من 23بالمئة من الناتج المحلي لإمارة دبي، ويُعدّ محوراً رئيسياً في التجارة الإقليمية والعالمية. وأضاف أن تجربة سنغافورة أيضاً في تطوير الموانئ وربط شبكات النقل الداخلية بها، جعلت منها مركزاً لوجستياً عالمياً، رغم صغر مساحتها، الأمر الذي يُبرز أهمية التخطيط الاستراتيجي في قطاع النقل.

وأوضح السيد عمر أن النقل في سوريا يُمثّل عاملاً مباشراً في تقليل تكاليف الإنتاج، لافتاً إلى أن تكاليف النقل المرتفعة تشكل حالياً ما يقارب 20-25بالمئة من تكلفة بعض السلع، في حين أن النسبة العالمية عادةً ما تكون أقل من 10بالمئة. وبيّن أن تحسين هذا القطاع من خلال إعادة تأهيل الطرق الدولية، وتحديث الموانئ، وإعادة تشغيل السكك الحديدية، سيُعزز القدرة التصديرية لسوريا، ويدعم الاستقرار الاقتصادي، ويُسهم في تحسين بيئة الأعمال.

معايير الاستدامة

وأكد الخبير أن تطوير النقل لا يجب أن يقتصر على الجوانب المادية فقط، بل يجب أن يشمل أيضاً إدماج معايير الاستدامة وحماية البيئة، وذلك من خلال تشجيع النقل الجماعي، والتوسع في خطوط السكك الحديدية، واعتماد تقنيات صديقة للبيئة، مشيراً إلى أن هذا التوازن بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة أصبح توجهاً عالمياً لا غنى عنه لضمان تنمية طويلة الأمد. وشدد الدكتور يحيى السيد عمر على أن تطوير قطاع النقل لا يُعدّ مجرد تحسين للبنية التحتية، بل هو استثمار استراتيجي يؤسّس لاقتصاد أكثر قوة وتماسكاً ويضع سوريا في موقع أفضل للتعافي والانطلاق نحو دور إقليمي ودولي أكثر فاعلية.

آخر الأخبار
أسعار المحروقات تثقل كاهل المواطن وتعمّق الأعباء المعيشية "رحمة بلا حدود".. تؤهل آلاف المقاعد و9 مدارس في درعا غياب المنظومة المصرفية الاستثمارية يعطل نمو الاقتصاد احتياجات ملحة لدعم قطاع سيدات الأعمال.. لتمكين اقتصادي حقيقي التدريب الفندقي.. من التعليم الافتراضي إلى سوق العمل من دمشق.. ريادة النقل الرقمي تسرد قصص نجاح ملهمة الكلمة الطيبة تصنع الفارق.. كيف يغيّر التقدير الصادق بيئة العمل؟ اختراع سوري..جهاز يعالج الخيوط بحبر الغرافين الناقل للكهرباء "حبة دوا".. مبادرة إنسانية تنقذ آلاف المرضى لقاح الحصبة.. الوقاية خير من العلاج بين الركام والنقل.. فرص الاقتصاد الضائعة بين الأنقاض! الجرح الذي لا يُرى.. أزمة الصحة النفسية في سوريا بعد الحرب مديرة تضرب الطلاب بعنف والوزارة تستفيق بعد انتشار فيديو الفضيحة! أهالٍ من معرة حرمة يرممون شبكات الصرف الصحي منظمة الدول التركية تؤكد دعمها لوحدة سوريا واستقرارها لجنة التحقيق الدولية تؤكد استمرار عملها في السويداء لن يكتمل مشهد مجلس الشعب من دون المرأة حلب تحت تهديد العطش ..الآبار بين الضرورة والاستدامة المفقودة! التوقف الدولي بين الواجب الوطني وحسابات الأندية وسط غيابات مؤثرة وتحديات إدارية ومالية ...منتخبنا الوطني يبحث عن حسم التأهل أمام ميانمار