الثورة – لينا شلهوب:
أصدرت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية “سادكوب” قائمة جديدة بأسعار المحروقات، دخلت حيّز التنفيذ اعتباراً من أمس الثلاثاء 7 تشرين الأول، وفق تسعيرة جديدة حدد فيها سعر صرف الدولار بـ 11,600 ليرة سورية.
وجاءت الأسعار على النحو الآتي: ليتر البنزين (90) 12,760 ليرة، والمازوت 11,020 ليرة، والبنزين أوكتان (95) 14,270 ليرة، فيما بلغت أسطوانة الغاز المنزلي 137,000 ليرة، والصناعي 219,500 ليرة.
سلسلة من الارتفاعات
هذا القرار الذي ترافق مع تدهور مستمر في القدرة الشرائية، أثار موجة من ردود الفعل بين المواطنين، الذين اعتبروا أن الزيادات الجديدة ستنعكس على جميع مفاصل الحياة اليومية، بدءاً من المواصلات وصولاً إلى أسعار السلع والخدمات.
يقول أبو خالد مصطفى- سائق سرفيس على خط جرمانا- باب توما، إن القرار الأخير برفع أسعار المحروقات، يسهم بإغلاق باب الأمل أمام تحسين واقع المعيشة، ما خلا عن تلبية الاحتياجات اليومية، بعيداً عن التفكير في التأسيس للمستقبل، مضيفاً: نشتري المازوت من المحطة بالسعر الجديد، لكن الأجرة ما زالت كما هي، وإذا رفعناها المواطنون لن يرحمونا، والنتيجة إما أن نعمل بخسارة أو نوقف العمل.
من جانبه، يرى سعيد مكي، موظف، أن المشكلة لا تكمن فقط في ارتفاع الأسعار، بل في سلسلة الارتفاعات التي تليها تلقائياً في كل شيء، موضحاً: كل مرة يرتفع فيها سعر الوقود، ترتفع أسعار الخضار، النقل، الخبز السياحي، وحتى أسعار الأدوات المدرسية، فيما رواتبنا لا تكفي.

في الأسواق، بدا واضحاً انعكاس القرار خلال الساعات الأولى من تطبيقه، إذ سارع بعض التجار إلى تعديل الأسعار بحجة ارتفاع تكاليف النقل والتوزيع، وقال أحد أصحاب محال المواد الغذائية في كشكول بريف دمشق: حتى لو كان الارتفاع بسيطاً في الوقود، نحن ندفع أجور نقل مضاعفة، والسائقون يطلبون مبالغ أكبر لتغطية تكلفة البنزين أو المازوت، منوهاً بأنه في النهاية المستهلك هو من يتحمّل الفارق.
أما على المستوى الاقتصادي الأوسع، فيشير الخبير الاقتصادي أحمد درويش ل “الثورة” إلى أن رفع أسعار المحروقات بهذا الشكل، من دون إجراءات موازية لرفع الدخل أو دعم القطاعات الإنتاجية، يؤدي إلى موجة تضخمية جديدة، مبيناً أن تكاليف النقل والإنتاج ستزيد، ما يرفع أسعار السلع محلياً ويضعف القدرة الشرائية أكثر، ويقلل من تنافسية المنتجات السورية في الأسواق الخارجية.
اجتماعياً، انعكس القرار على المزاج العام للسوريين، الذين باتوا يشعرون بثقل الضغوط اليومية المتزايدة، وتقول أم لؤي الصفدي ربة منزل من ريف دمشق، إن الأسرة أصبحت عاجزة عن التدفئة أو الطهي بشكل طبيعي، إذ إننا بتنا نستخدم أسطوانة الغاز بحذر شديد، إضافة إلى أننا مقبلون على فصل الشتاء، حيث سنضطر لعدم إشعال المدفأة أغلب الوقت، فالمعيشة باتت فوق طاقة الناس.
كما حذّر بعض الأكاديميين والباحثين الاجتماعيين من أن استمرار هذا المنحى في رفع الأسعار دون خطط دعم واضحة، قد يزيد من الفوارق الاجتماعية، ويدفع شريحة أوسع من المواطنين نحو الفقر والعوز.
وعلى الصعيد التجاري، تأثرت حركة الأسواق سلباً، إذ أشار عدد من التجار إلى تراجع الإقبال على الشراء خلال الأيام الأخيرة، بسبب ارتفاع التكاليف من جهة، وتراجع الطلب من جهة أخرى، ويقول أحد تجار الألبسة في دمشق: الزبائن اليوم يسألون عن الأسعار فقط ولا يشترون، مضيفاً: الكل ينتظر أن يرى إلى أين ستصل الأمور.
تصحيح الأسعار
في المقابل، بررت مصادر حكومية القرار، أنه يأتي في إطار تصحيح الأسعار بما يتناسب مع تكاليف الاستيراد وسعر الصرف الرسمي، مؤكدة أن الخطوة تهدف إلى تقليص الفجوة بين السعر المدعوم والحقيقي، وضمان استمرارية التوريد، لكن هذا لم يقنع الشارع الذي يرى أن النتائج المباشرة تذهب نحو مزيد من المعاناة اليومية.
ويجمع معظم من تم استطلاع آرائهم على أن الحل لا يكمن في رفع الأسعار، بل في تحسين الدخل وضبط الأسواق وتفعيل الرقابة، إلى جانب إيجاد بدائل حقيقية للطاقة بأسعار معقولة تخفف من الاعتماد الكامل على المحروقات في القطاعات الحيوية، ويعرّج البعض على أنه يبدو أن ارتفاع أسعار الوقود أصبح عنواناً متكرراً لمعاناة السوريين، الذين يواجهون واقعاً معيشياً يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، في ظل غياب حلول ملموسة تخفف من آثار الأزمات الاقتصادية المتلاحقة.