ثورة أون لاين:
قد تكون وثائق ويكيليكس وفقاعاتها التي تنفجر بين الفينة والأخرى لعبة استخباراتية أميركية .. وقد لا تكون, وقد تكون هذه الوثائق حقيقية ودامغة.. وقد لا تكون أيضاً, لكن..
وإلى أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في هذه القضية, أظن أن ثمة محاكمة عقلية منطقية يمكن لكل منا أن يجريها, وبما لديه من تراكم معرفي ومعلوماتي, بين ما تقول الوثائق إنه حقائق وبين الوقائع موضوع هذه الحقائق, فإذا قالت الوثائق ما هو غير عقلي أو منطقي فهي موضع شك وتريث.. كأن تقول مثلاً إن لدى أميركا والأميركيين هوساً ما في رؤية العرب يوماً ينعمون بالديمقراطية والحقوق المدنية!!
غير أن ما كشفت عنه وثائق ويكيليكس الأخيرة الخاصة بالسعودية وآل سعود, وباستخدامنا أي منطق للتفكير العقلاني أو المحاكمة العقلية البسيطة, يؤكد لنا أن تلك الوثائق لا بد أن تكون صحيحة بنسب عالية على الأقل, خاصة ما يتصل منها بالتمويل السعودي السخي لشراء الذمم والضمائر الإعلامية المختلفة, وفي إطلاق سلاسل من وسائل الإعلام وأجهزته الفضائية والمسموعة والمكتوبة في العديد من الدول, تمويل بلغ سقوفاً عالية وصلت إلى ثلاثة مليارات دولار سنوياً لخدمة الغرائز والمؤامرات.
ولأن هذا الأمر يتصل بصناعة الرأي العام والضمير والوجدان العام للناس.. مثلما يتصل بالإعماء والكذب والرياء والدجل السياسي, فقد رأيته الأخطر من بين ما حاولت الوثائق الكشف عنه في الدائرة السعودية, خاصة أن (ويكيليكس) وعد بنشر نصف مليون وثيقة سعودية أخرى لا أدري إن كان بعضها أيضاً سيتصل بالجانب الإعلامي, وبالتالي, يستحق أن يكون موضوعاً لسلسلة من المقالات القادمة, والتي سوف أسوق من خلالها مجموعة كبيرة من الأمثلة, التي تؤكد ما ذهبت إليه الوثائق في تعرية المتاجرة السعودية بالإعلام ووسائله وشخوصه ورموزه .
يمكن لأي منا أن يتخيل, ولدقائق قليلة, معنى أن تدفع جهة ما مبلغ ثلاثة مليارات دولار سنوياً.. فقط لشراء ضمائر وذمم أشخاص يحركون الأقلام والعدسات والشاشات التلفزيونية, ويمكن تصور حجم الإعماء والتضليل والكذب وكذلك حجم التلميع والتزيين, الذي يراكمه هؤلاء الأشخاص في أذهان عامة الناس.. كي يتنعم كل منهم بحصته من مبلغ خيالي من الدولارات يوزع عليهم سنوياً!
في المقابل, يمكن لأي منا تخيل حجم وتعداد أولئك الأشخاص من أصحاب المعارف والتقنيات الإعلامية, والذين يمكن أن يبيعوا أو يتاجروا بما لديهم من هذه البضاعة في سبيل المال , ويمكن لهم أيضاً أن يختلقوا أعذاراً ومسوغات تدفعهم إلى التنصل من المسؤوليات الأخلاقية المترتبة على ما يبيعون.
صحيح أننا لا نعيش في عالم أفلاطوني فاضل , وصحيح أيضاً أن كثرة من الناس يكونون عادة عرضة للانزلاق الأخلاقي والخطأ.. غير أن تعمد جهة ما إنفاق المليارات من الدولارات فقط لشراء الضمائر والذمم الشخصية , يدلل أولاً على حجم الجريمة التي ترتكبها هذه الجهة بحق الناس, وثانياً على حجم عجزها وقصورها الذاتي عن إقناع الناس من دون المال!!
خالد الأشهب