الأمن السوري يسبق “داعش” بخطوة: كشف مبكر في منطقة حساسة تحت أنظار الروس

الثورة – فؤاد الوادي:

أعلنت وزارة الداخلية، الاثنين، اعتقال وتحييد أفراد “خلية إرهابية تحمل فكر تنظيم داعش” خلال عملية أمنية محكمة في منطقة “البدروسية” بريف اللاذقية الشمالي شمال غربي البلاد.

قائد الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية العميد عبد العزيز هلال الأحمد، ذكر أنه “تم خلال عملية أمنية محكمة في منطقة البدروسية بريف اللاذقية الشمالي استهداف خلية تعد من أخطر الخلايا التي تحمل فكر تنظيم داعش الإرهابي والقبض على أفرادها”، مضيفاً أن “الخلية كانت تخطط لتنفيذ عمليات إرهابية في الساحل السوري”.

في أبعاد هذا الخبر الكثير من الرسائل والدلالات الجمة التي تتقاطع جلها عند حقيقة باتت ثابتة لجميع السوريين، وهي أن الحفاظ على أمنهم واستقرارهم خط أحمر بالنسبة للدولة الجديدة التي تحاول، برغم تشظيات المرحلة والظروف الصعبة، إثبات قدرتها على محاربة الإرهاب كجزء وامتداد لاستراتيجيتها في النهوض والتعافي، وهي استراتيجية لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل بيئة آمنة وخالية تماما من الإرهاب.

وفي ما هو أبعد من نجاح العملية التي لم تكن الأولى، يبرز نجاح “النهج الاستباقي” الذي تعتمده وزارة الداخلية وأجهزة الاستخبارات في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه؛ هذا النهج الذي أثبت حتى الآن فعاليته في إحباط الكثير من العمليات الإرهابية قبل وقوعها، لاعتماده على الضربات الاستباقية التي تعكس بدورها تنسيقاً وتعاوناً استثنائياً بين الأجهزة المختلفة، يوازي تحركات فلول النظام المخلوع والتنظيمات الإرهابية التي تجهد لبث الفوضى والخوف عبر استغلال بعض المناطق الريفية والجبلية للتمركز وإعادة النشاط.

الساحل السوري شهد خلال الفترة الماضية محاولات كثيرة لاستهداف الاستقرار الأهلي والوحدة الوطنية، ولا سيما تلك التي وقعت في آذار/مارس الماضي، لكن إجراءات الدولة وخطواتها السريعة حيال هذا الأمر طوقت هذه المحاولات التي كانت تخطط لإغراق البلد في أتون حرب أهلية، من خلال تعزيز قوات الأمن والشرطة وتشكيل لجان تحقيق وتوثيق شهادات مئات الشهود، وانتهت بمحاكمات علنية بدأت الثلاثاء الماضي في قصر العدل بحلب وشملت 14 متهماً؛ سبعة منهم موقوفون بتهم إثارة الفتنة الطائفية والسرقة والاعتداء على قوى الأمن الداخلي وقوات الجيش السوري، والسبعة الآخرون من العناصر المنفلتة المتهمين بجرائم سرقة وقتل.

الباحث السياسي جواد خرزم تناول هذا الموضوع من باب أن نجاح القوى الأمنية في إحباط عمليات “داعش” يجسد استراتيجية الدولة في تعزيز الثقة مع الشعب، ولا سيما في المجال الأمني الذي شهد خلال المرحلة الماضية اختراقات كبيرة أدت إلى وقوع ضحايا ونزف دماء، منها الهجمات التي استهدفت كنيسة مار إلياس في دمشق في 22 حزيران/يونيو الماضي.

وقال خرزم لصحيفة “الثورة السورية”: إن “إحباط الدولة الاستباقي لخلايا داعش وفلول النظام المخلوع يعزز الثقة المجتمعية، وينقلها من الحالة السلبية أو الحيادية إلى الحالة الداعمة والمساعدة لأجهزة الأمن والمخابرات، وهذا بدوره يعزز الحصانة الأمنية داخل المجتمع بشكل عام”.

سوريا تحمي شركاءها

قد يحمل إحباط هذه العملية أبعاداً أعمق تغطي وتحاكي الظروف والمتغيرات السياسية التي تشهدها الساحة السورية، لجهة حالة الانفتاح الدولي على دمشق، باعتبارها نتاجا للجهود الاستثنائية التي لا تزال تبذلها الدبلوماسية السورية في مختلف الأصعدة والمجالات لإعادة تشبيك علاقاتها مع العالم والخروج من العزلة والقطيعة التي فرضتها سياسات ومشاريع النظام المخلوع، والتي حولت سوريا من دولة حيوية معززة بالجغرافيا والتاريخ إلى كيان محاصر ومنعزل ومكبل وفاقد لهويته الجغرافية والسياسية والاقتصادية والثقافية.

ضمن هذا السياق يؤكد الباحث السياسي جواد خرزم، أن إلقاء القبض على خلية إرهابية داعشية في الساحل في منطقة قريبة من القاعدة الروسية قد يحمل أبعاداً وأهدافاً تتجاوز الدائرة الداخلية لتصل إلى محاولات استهداف الدائرة الأوسع، وهي علاقات سوريا الخارجية، خصوصاً مع روسيا، حيث بدأت العلاقات معها تستقر على سكتها الصحيحة وفقاً للمبادئ والثوابت الوطنية وبعيداً عن التبعية والابتزاز السياسي والمعنوي.

لذلك فإن إلقاء القبض على هذه الخلية وإحباط مخططاتها من شأنه أن يحدث أثراً إيجابياً كبيراً في توطيد العلاقات السورية الروسية، كونه يؤكد حرص وجدية دمشق في حماية علاقاتها مع روسيا بشكل خاص ومع شركائها بشكل عام.

قراءة حدث من هذا النوع لا بد أن ترتبط بقراءة شاملة للأحداث والمتغيرات التي ترتبط به بشكل مباشر أو غير مباشر، لقد شهدت سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية، التي واكبت نجاحات وإنجازات نوعية للدولة السورية، أمواجاً عاتية من محاولات ضرب الاستقرار وزعزعة الوحدة الوطنية، وكانت آخرها ما حصل في حمص قبل يومين، إلا أن تلك الأمواج سرعان ما تبددت وذابت على شطآن التأهب الأمني والانقضاض الاستباقي الذي أحدث فارقاً في استراتيجية التعامل مع تلك الاستهدافات المتكررة التي ترسم خريطة النجاح الأمني والاستخباراتي، والذي دفع تلك التنظيمات الإرهابية إلى تغيير تكتيكاتها والفرار إلى مناطق أخرى لزيادة الضغط على الأجهزة الأمنية.

لقد كان للخبرة الكبيرة التي راكمتها الاستخبارات السورية خلال سنوات المواجهة مع “داعش” دور كبير في اكتشاف خلايا الإرهاب قبل تنفيذ هجماتها وقتل الأبرياء، والوصول إلى الهدف الرئيس للتنظيم، وهو ضرب الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية.

وحول هذه النقطة تحديداً يشير خرزم، إلى أن تجارب جهاز المخابرات والأمن مع هذا التنظيم الإرهابي ساهمت إلى حد كبير في التفوق عليه واختراقه وتجاوزه بخطوات متقدمة أدت إلى اكتشاف مخططاته قبل أن يتمكن من تنفيذها.

سوريا ضمن التحالف الدولي

في العاشر من الشهر الجاري أعلنت سوريا انضمامها رسمياً إلى “التحالف الدولي ضد داعش”، حيث تعهد الرئيس أحمد الشرع بالتعاون مع الولايات المتحدة في جهود القضاء على بقايا التنظيم الإرهابي والتنسيق بين دمشق وواشنطن حول تبادل المعلومات الاستخباراتية ومنع الشبكات الإرهابية من اتخاذ ملاذات آمنة في سوريا، في خطوة تؤكد حرص دمشق على إعادة صياغة دورها كلاعب محوري في مكافحة الإرهاب الإقليمي.

ويرى محللون سياسيون أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي يشكل جزءاً من استراتيجية دمشق للانفتاح والتعاون مع دول العالم، بعد سنوات من العزلة العربية والدولية نتيجة سياسات وممارسات النظام المخلوع ضد الشعب السوري، ولا سيما أن واشنطن باتت ترى في دمشق شريكاً ضرورياً في الحرب الطويلة على الإرهاب.

على المستوى الأوسع فقد رسخ انضمام دمشق إلى التحالف نمطاً براغماتياً لرؤية سوريا الجديدة للتعاون والانفتاح على العالم؛ رؤية ترتكز على القضاء على كل ما يسعى إلى ضرب استقرارها وأمنها ضمن منظومة دولية تواجه تهديدات عابرة للحدود، وتجمع بين التفوق العسكري وأدوات الاستقرار والسياسة في إطار تكريس موازين قوى جديدة في المنطقة والعالم.

كما أن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي أعاد تموضعها بما يوازي ويحاكي دورها ومكانتها التاريخية والاستراتيجية، وسحب البساط من تحت أي حركات غير نظامية أو قانونية تحاول أن تتربع على بقعة من سوريا بهذه الحجة.

وتنظر دول الاتحاد الأوروبي إلى الشراكة مع دمشق بوصفها وسيلة لترجمة التزاماتها تجاه مكافحة الإرهاب، بما يسهل عليها الانخراط في مشاريع الإعمار والتنمية داخل سوريا.

وستستفيد هذه الدول من وجود حكومة شريكة يمكن التنسيق معها في ملفات حساسة، ما يعزز التعاون الأمني ويحد من المخاطر العابرة للحدود.وبالمجمل سيمثل انضمام سوريا إلى التحالف بالنسبة للغرب انتقالاً من مرحلة الحرب والدمار إلى مرحلة بناء السلام والاقتصاد والتنمية.

وتعود جذور ما يسمى “تنظيم الدولة الإسلامية” إلى ما بعد الحرب الأميركية على العراق عام 2003، حين تشكل كفرع لتنظيم القاعدة قبل أن يتمدد إلى سوريا عام 2013.

وفي عام 2014 أعلن زعيمه أبو بكر البغدادي “الخلافة الإسلامية” من الموصل، وجعل من مدينة الرقة السورية عاصمة لدولته، وبلغ التنظيم أوج قوته بين عامي 2015 و2016، حيث سيطر على مساحات واسعة وأدار نظاماً دموياً اعتمد على الإعدامات الميدانية والاستعباد، ونفذ هجمات في الشرق الأوسط وأوروبا.

لكن التحالف الدولي بقيادة واشنطن شن حملة عسكرية واسعة انتهت باستعادة الرقة في تشرين الأول/أكتوبر 2017، ثم سقوط آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز شرق سوريا في آذار/مارس 2019.

ورغم هزيمة التنظيم عسكرياً ظلت خلاياه النائمة تنشط في البادية السورية ومناطق الشرق، ونفذت خلال السنوات الماضية عمليات ضد قوات النظام المخلوع وتنظيم “قسد” على حد سواء.

وفي حزيران/يونيو الماضي فجر أحد عناصر التنظيم نفسه داخل كنيسة مار إلياس في دمشق، ما أدى إلى وقوع عشرات الضحايا، وأعلنت الحكومة اعتقال الخلية المنفذة، خلال ساعات بعد التفجير، الأمر الذي عزز قدرة الأمن السوري على اكتشاف تحركات التنظيم في المنطقة.

آخر الأخبار
الرئيس أحمد الشرع يستقبل وفداً من "الكونغرس" الأميركي في دمشق الطاقة البديلة تتقدم في سوريا.. ارتفاع أسعار الكهرباء يسرّع التحول قطاع الأقمشة يواجه تحديات جمركية ويطالب بحماية المنتج المحلي بطاقة 1.2 مليون طن.. معمل فوسفات حمص يستأنف الإنتاج بعد توقف 10 سنوات ارتفاع إصابات التهاب الكبد A بعدة محافظات.. والصحة تؤكد: الوضع تحت السيطرة توسعة معبر "نصيب- جابر".. اختبار حقيقي لتعافي التجارة السورية- الأردنية رغم تراجع الكلف.. مطاعم دمشق تحافظ على أسعارها المرتفعة وتكتفي بعروض "شكلية" رماد بركان إثيوبيا يعرقل حركة الطيران ويؤدي إلى إلغاء رحلات جوية الليرة تحت وطأة التثبيت الرسمي وضغوط السوق الموازية تحرك سريع يعالج تلوث المياه في كفرسوسة ويعيد الأمان المائي للسكان "اتفاقية تاريخية" لتطوير مطار دمشق.. رسائل الاستثمار والتحول الاقتصادي أردوغان يطرح التعاون مع كوريا الجنوبية لإعادة إعمار سوريا السيدة الأولى تمثل سوريا في قمة "وايز" 2025..  خطوة نحو تعزيز التعاون الدولي وتنمية التعليم خط السابع من ديسمبر 2024.. فاصل يحدد مسار العلاقات السورية الإسرائيلية وزير الأوقاف يلتقي وزير العمل البرازيلي والجاليات الإسلامية في أميركا اللاتينية التقنية والطاقة والدفاع: سوريا تسعى للاستفادة من "القوة الصناعية الهادئة" في السويد الأمن الداخلي يفكك خلية لـ "داعش" في عفرين ويواصل ضرب شبكات التنظيم في المحافظات حين ينتصر منطق الفزعة.. ينهزم مفهوم الدولة بين فخ "فيدرالية عبدي" وذاكرة الحولة: هل يلدغ السوريون من جحر الطائفية مرتين؟ مساع لحماية المنتج الوطني وتنظيم السوق عبر البطاقة التعريفية