نبع الغرزية في طرطوس يتحوّل من شريان حياة إلى مصدر خطر

الثورة – سناء العلي:

تعاني بلدة الغرزية في ريف طرطوس من أزمة مائية معقدة بدأت بتلوث مصدرها الرئيسي للمياه، لتتحول لاحقاً إلى معاناة يومية في تأمين احتياجات السكان من مياه الشرب والاستخدام المنزلي.
وقد مثّل إغلاق نبع الغرزية، الذي اعتمدت عليه البلدة لعقود، نقطة تحول أساسية في مسار الأزمة، تاركاً الأهالي أمام تحديات صحية ومعيشية متزايدة.

وشكّل النبع لسنوات طويلة محور الاستقرار المائي في البلدة، نظراً لاعتماد معظم الأسر عليه في ظل ضعف الضخ الحكومي وتباعد مواعيده، ومع ظهور إصابات متتالية بمرض التهاب الكبد الوبائي، بدأت الشبهات تتجه نحو المصدر الطبيعي للمياه الذي اعتادت البلدة عليه، قبل أن تؤكد التحاليل المخبرية وجود تلوث عضوي خطير ناتج عن تسرب مخلفات الحيوانات والأنشطة الزراعية إلى مجرى المياه.

وأدى إغلاق النبع إلى اعتماد السكان على الصهاريج الخاصة كمصدر بديل، وهو خيار مكلف لا يتناسب مع الدخل المحدود لغالبية الأسر، وباتت تكلفة تأمين المياه تمثل عبئاً يومياً يفاقم الأوضاع المعيشية، في وقت تتزايد فيه المخاوف من لجوء بعض السكان، خصوصاً الأطفال، إلى استخدام النبع الملوث رغم التحذيرات.

كيف بدأت الأزمة؟

الطريقة الطبيعية التي اعتاد عليها السكان للحصول على المياه لم تدم، إذ بدأت مؤشرات الأزمة بالظهور عندما لاحظ الأهالي خلال الأشهر الماضية ارتفاعاً في الحالات الصحية المرتبطة بأعراض غير مألوفة، مثل التعب الشديد، واليرقان، والحمى والتقيؤ.

وبعد مراجعة المراكز الطبية، اتضح أن عدداً كبيراً من المصابين يعانون من التهاب كبد وبائي انتاني، وهو مرض يرتبط عادة بشرب مياه ملوثة، ومع ازدياد الشكاوى الصحية وعدم معرفة السبب في البداية، بدأ الشك يتجه نحو النبع، ولا سيما أن معظم المرضى أكدوا اعتمادهم اليومي عليه.

وقال محمد محرز مدير الموارد المائية في طرطوس في تصريح لصحيفة “الثورة” إنهم علموا بشكاوى الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول انتشار مرض التهاب الكبد في القرية والشك بأن مياه النبع ملوثة.

وبالفعل تم أخذ عينات من ماء النبع وفحصها لتثبت النتائج العلمية أن الماء غير صالح للشرب، ومع صدور النتائج، لم يعد هناك أي مجال للتردد، فتم إغلاق النبع وتنبيه السكان من خطورة استخدام مياهه.

وكشفت نتائج التحاليل أن المياه ملوثة بشكل واضح بنوع من التلوث العضوي الخطير الناتج عن وصول مخلفات الحيوانات وروث الأبقار والأغنام إلى مجرى النبع، إضافة إلى احتمال تسرب الأسمدة الزراعية المستخدمة في الأراضي المجاورة، ما أدى إلى تلوث المياه بالبكتيريا والفيروسات والطفيليات المسببة لأمراض خطيرة.

ورغم أن قرار الإغلاق كان ضرورة لحماية الصحة العامة، إلا أنه أدخل القرية في مرحلة جديدة من المعاناة، فمنذ إغلاق النبع، يضطر الأهالي إلى شراء المياه من الصهاريج بأسعار مرتفعة تفوق قدرتهم المالية في كثير من الأحيان.

وفي لقاء مع صحيفة “الثورة” قال غدير حسن، مدير مدرسة القرية، إن المخاوف ما تزال قائمة لدى الكادر التعليمي بشأن الأطفال، موضحاً: “ما زلنا نخاف على التلاميذ من أن يشربوا من ماء النبع، خاصة أن النبع يقع بين البلدة والمدرسة، وأن الأطفال قد لا يدركون حجم الخطر، لذلك نرافق طلابنا حتى يتجاوزوا النبع ونراقبهم باستمرار ونواصل تحذيرهم”.

ولم تقتصر المخاوف على الجوانب التعليمية، إذ تحدث الشاب حسن، وهو من أبناء البلدة وأحد المصابين بالمرض نتيجة شرب ماء النبع، عن تجربته مع الإصابة ومعاناته الطويلة حتى تعافى، قائلاً: “النبع الجميل الذي كنت أحبه وأرتوي منه أصبح اليوم مصدر رعب بالنسبة لي”.

وعند سؤال مدير الموارد المائية في طرطوس عن خطة الحكومة لمعالجة المشكلة، أوضح أن الجهات المعنية نفذت خلال السنوات الأخيرة أعمال حفر لعدة آبار بهدف تحسين واقع المياه في المنطقة، قائلاً: “تم حفر بئر داعم لمشروع نبع صالح، إضافة إلى حفر بئرين في دير البشل لدعم القطاع المائي، خاصة بعد تحسن وضع التغذية الكهربائية”.

ورغم هذه الخطوات، ما تزال الحلول بطيئة، فيما يزداد الوضع اليومي صعوبة على العائلات التي تعتمد على صهاريج المياه غير المنتظمة، وتؤدي أسعار الوقود المرتفعة إلى زيادة كلفة النقل، ما يجعل شراء المياه عبئاً ثقيلاً يفوق قدرة كثير من الأسر.

ومع استمرار هذه التحديات، يبقى مستقبل نبع الغرزية مرهوناً بقدرة الجهات المختصة على تنفيذ خطوات عملية وسريعة تعالج جذور الأزمة، وفي الوقت نفسه تبرز الحاجة إلى خطة شاملة لإزالة مصادر التلوث نهائياً، بالتوازي مع تطوير منظومة المياه في المنطقة، بما يضمن تنويع مصادر الإمداد وعدم الاعتماد على نبع واحد، ويحدّ من المخاطر الصحية والاجتماعية التي قد تتكرر في حال استمرار الوضع على ما هو عليه.

آخر الأخبار
الرئيس أحمد الشرع يستقبل وفداً من "الكونغرس" الأميركي في دمشق الطاقة البديلة تتقدم في سوريا.. ارتفاع أسعار الكهرباء يسرّع التحول قطاع الأقمشة يواجه تحديات جمركية ويطالب بحماية المنتج المحلي بطاقة 1.2 مليون طن.. معمل فوسفات حمص يستأنف الإنتاج بعد توقف 10 سنوات ارتفاع إصابات التهاب الكبد A بعدة محافظات.. والصحة تؤكد: الوضع تحت السيطرة توسعة معبر "نصيب- جابر".. اختبار حقيقي لتعافي التجارة السورية- الأردنية رغم تراجع الكلف.. مطاعم دمشق تحافظ على أسعارها المرتفعة وتكتفي بعروض "شكلية" رماد بركان إثيوبيا يعرقل حركة الطيران ويؤدي إلى إلغاء رحلات جوية الليرة تحت وطأة التثبيت الرسمي وضغوط السوق الموازية تحرك سريع يعالج تلوث المياه في كفرسوسة ويعيد الأمان المائي للسكان "اتفاقية تاريخية" لتطوير مطار دمشق.. رسائل الاستثمار والتحول الاقتصادي أردوغان يطرح التعاون مع كوريا الجنوبية لإعادة إعمار سوريا السيدة الأولى تمثل سوريا في قمة "وايز" 2025..  خطوة نحو تعزيز التعاون الدولي وتنمية التعليم خط السابع من ديسمبر 2024.. فاصل يحدد مسار العلاقات السورية الإسرائيلية وزير الأوقاف يلتقي وزير العمل البرازيلي والجاليات الإسلامية في أميركا اللاتينية التقنية والطاقة والدفاع: سوريا تسعى للاستفادة من "القوة الصناعية الهادئة" في السويد الأمن الداخلي يفكك خلية لـ "داعش" في عفرين ويواصل ضرب شبكات التنظيم في المحافظات حين ينتصر منطق الفزعة.. ينهزم مفهوم الدولة بين فخ "فيدرالية عبدي" وذاكرة الحولة: هل يلدغ السوريون من جحر الطائفية مرتين؟ مساع لحماية المنتج الوطني وتنظيم السوق عبر البطاقة التعريفية