الثورة – علي إسماعيل:
استمراراً للمسار الدبلوماسي غير المسبوق بين سوريا والولايات المتحدة، بحث الرئيس السوري أحمد الشرع، مع وفد من “الكونغرس” الأميركي في دمشق سبل تعزيز التعاون بين البلدين، وترأس الوفد عضو الكونغرس دارين لحود، وفق ما أوردته الرئاسة السورية.
وذكرت الرئاسة أنه جرى تبادل وجهات النظر حول عدد من القضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك، بحضور وزير الخارجية أسعد الشيباني، بما يخدم المصالح المشتركة ويسهم في دعم الاستقرار الإقليمي.
ويأتي استقبال الرئيس الشرع لوفد “الكونغرس” الأميركي في دمشق استكمالاً لسلسلة لقاءات أجراها الرئيس السوري مع مسؤولين أميركيين، وفي مقدمتهم نظيره دونالد ترامب في 10 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.
ويلعب العامل الجيوسياسي المرتكز الأساس، المنطلق الذي تبني عليه واشنطن علاقتها مع سوريا، على الرغم من أن أغلب حالات العلاقة كانت القطيعة الكاملة بعد سلسلة من التوترات والإشكاليات، خاصة أن سوريا كانت ضمن محور إيران وتترنح ضمن حبالها السياسية.
إلا أن اندلاع الثورة السورية منتصف آذار/مارس 2011 شكل نقطة تحول في تاريخ العلاقات السورية الأميركية، فعمدت واشنطن إلى فرض عقوبات واسعة وخانقة على النظام المخلوع، بسبب قمعه الوحشي للتظاهرات وتماديه في القتل والتدمير، وشملت العقوبات حظر التعامل مع البنك المركزي السوري، وعقوبات على النفط والصادرات، إضافة إلى فرض قيود على تصدير سلع أساسية وتكنولوجية إلى سوريا.
إلا أن التغير الأكبر جاء مع إقرار قانون “قيصر” لحماية المدنيين في سوريا الذي دخل حيز التنفيذ في عام 2020، والذي نص على فرض أشد العقوبات باستهداف كل من يتعامل مع النظام اقتصاديا أو عسكريا، والشركات السورية والدولية التي تدعم حرب النظام أو تساعد في إعادة الإعمار، إلى جانب عقوبات على كل من روسيا وإيران. وفي هذا السياق يؤكد الباحث والمحلل السياسي، علي تمي، أن سوريا كانت خلال العقود الماضية ضمن قوائم الدول الداعمة للإرهاب، وأن النظام المخلوع كان يمول العشرات من المنظمات الإرهابية بهدف زعزعة الاستقرار في المنطقة، وجلب لسوريا الكثير من المآسي والتحديات سواء كانت أمنية أم اقتصادية.
واليوم بدأت واشنطن ودمشق، وفي ظل الحكومة السورية الحالية، فتح صفحة جديدة من العلاقات السياسية، بدأت من الرياض ولن تنتهي في واشنطن خلال لقاء الرئيس الشرع والرئيس ترامب حيث تم وضع عناوين جديدة للعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
ووفق المنظور الأميركي لا تضاهي سوريا في أهميتها الاستراتيجية والأمنية دولا مثل إسرائيل أو تركيا، إلا أن موقعها الجيوسياسي ومجاورتها لإسرائيل وتركيا يمنحانها موقعا مهما في مقاربات واشنطن السياسية تجاه الشرق الأوسط بالعموم، وارتبطت العلاقات بين البلدين بمدى اقتناع واشنطن تاريخياً بأهمية سوريا الإقليمية وبالدور السوري الذي لا يمكن تجاهله في المنطقة.
ما حدث على الساحة السورية بعد التحرير وتغير النظرة الأميركية للدور السوري في المنطقة يفسر الانفتاح الدبلوماسي الكبير على دمشق، خاصة بعد الزيارة التاريخية للرئيس السوري أحمد الشرع وما جرى من لقاءات مع مسؤولين أميركيين هناك.
البداية الحقيقية كانت بعد إعلان الرئيس ترامب في 13 أيار/مايو الجاري في الرياض إزالة العقوبات المفروضة على سوريا، والتي فتحت صفحة جديدة في سجل العلاقات الأميركية السورية، حيث شكل الإعلان فرصة حقيقية أمام السلطات الجديدة في سوريا من أجل القطع نهائياً مع عهد النظام المخلوع والسياسات التي كان يتبعها.
ووصفت الدبلوماسية الأميركية والمساعدة السابقة لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، اللقاء الذي جمع بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، بأنه “لحظة تاريخية” و”منعطف حاسم” في العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، وشددت في الوقت نفسه على أن التوقعات من الشرع باتت كبيرة، وخصوصاً “من الشعب السوري، ومن الشركاء الإقليميين، والآن من الرئيس الأميركي الذي عبر عنها بشكل صريح جداً”.
وتعد ليف من أبرز الدبلوماسيين الأميركيين الذين زاروا دمشق والتقوا الرئيس الشرع في كانون الأول/ديسمبر العام الماضي عقب التحرير.
وشهدت العلاقات الأميركية السورية تطورات لافتة بعد التحرير، إذ وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 30 حزيران/يونيو 2025 أمراً تنفيذياً ينهي البرنامج الأميركي للعقوبات على سوريا، في خطوة فاجأت الكثيرين، حتى من دائرته المقربة.
ويقضي الأمر التنفيذي برفع معظم العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، بما في ذلك فك القيود على التعامل مع البنك المركزي السوري، وإعادة سوريا إلى النظام المالي الدولي، حيث مثلت هذه الخطوة تحولاً جذرياً إضافياً في السياسة الأميركية تجاه سوريا، وفتحت الباب أمام استثمارات إقليمية ودولية في عملية إعادة الإعمار، خاصة من تركيا والدول الخليجية.
إلى أين يتجه المسار السوري الأميركي؟
يتوقع محللون تحدثت معهم “الثورة السورية”، أن العلاقات الثنائية بين البلدين تسير في اتجاه تصاعدي إيجابي وعلى كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
فمن أولويات الجانب الأميركي، كما تشير التحليلات السياسية، استثمار الموقع الجيوسياسي لسوريا كحليف مؤثر في المنطقة، وبعيدٍ عن سياسة المحاور، ومكافحة الإرهاب، والعلاقات مع إسرائيل، وهذه الملفات شكلت منطلق العلاقة مع دمشق.
المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توماس باراك صرح في أكثر من مناسبة أن السياسة الأميركية تجاه دمشق بعيدة كل البعد عن الإملاءات، بل تقوم على المساعدة والتوجيه، لذلك تسعى إلى تحديد إطار واضح للتعاون الدبلوماسي وانعكاساته الواقعية، خاصة أن السياسة السورية تقوم على سياسة “صفر مشاكل”، وتعمل بكل جدية على تنفيذ التزاماتها المشتركة مع دول الإقليم والعالم.
الملف الأمني أحد أهم الملفات بين الجانبين، وهو المنطلق نحو الاستقرار كعامل حيوي لبناء الاقتصاد، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة مع إسرائيل.
لذلك كانت أولى نتائج زيارة الرئيس الشرع إلى البيت الأبيض هي انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد “داعش”.
وكان وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، أعلن توقيع دمشق على إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي ضد “داعش”، مشيراً إلى أن الاتفاق سياسي ولا يتضمن مكونات عسكرية بعد.
وتعد هذه الخطوة انتقالاً مهما في التموضع الجيوسياسي لسوريا، من محور النفوذ الروسي – الإيراني نحو شراكة رسمية مع التحالف الغربي في ملف مكافحة الإرهاب.
كذلك بالنسبة للعلاقة مع إسرائيل، فقد تكفلت واشنطن بتهدئة الأوضاع مع إسرائيل وإنجاز اتفاق أمني بين الطرفين، وذلك على لسان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، الذي رد على سؤال في آخر مقابلة له، حول التعويل على الدور الأميركي للضغط على نتنياهو للانسحاب إلى خط 7 كانون الأول/ديسمبر 2024، بأن هناك وعداً أميركيا بهذا الخصوص، مشيراً إلى تمسك بلاده بالموقف الوطني بعدم حصول توقيع ما لم يكن هناك انسحاب.
أما بالنسبة للملف الاقتصادي، فقد حققت دمشق تقدماً نحو إزالة العقوبات الأميركية المفروضة عليها في إطار تشريعي، الأمر الذي يعطي دفعة اقتصادية كبيرة للشركات الكبرى الأميركية والأوروبية والعربية لدخول السوق السورية والبدء بتنفيذ واقع استثماري كخطوة أولى نحو الرخاء والازدهار.النهج السياسي السوري اليوم يتطابق مع التوجه الأميركي سواء في محاربة الإرهاب، والهدف هو ترسيخ الاستقرار في سوريا داخليا، والتوجه نحو بناء الاقتصاد السوري لتكون سوريا جاهزة للتموضع الإقليمي والدولي الجديد.