موجة التهاب الكبد في سوريا.. قراءة هادئة في الأرقام والوقائع الميدانية

الثورة – شمس الدين الأحمد:

سجّلت عدة محافظات سورية خلال الأسابيع الماضية ارتفاعاً ملحوظاً في حالات التهاب الكبد الوبائي A، الأمر الذي أعاد هذا الملف الصحي إلى واجهة النقاش العام، ورغم تأكيد وزارة الصحة أن الأرقام المسجّلة تبقى ضمن النطاق المتوقع موسمياً، إلا أن تداول المعلومات عبر وسائل التواصل الاجتماعي رفع مستوى القلق بين الأهالي، ولا سيما في المناطق التي تعاني من مشكلات خدمية مرتبطة بالمياه والنظافة.

وتتابع وزارة الصحة الوضع الوبائي عبر منظومة الترصد المنتشرة في مختلف المحافظات، موضحة أن الارتفاع الأخير ينسجم مع النمط الموسمي المعتاد للمرض،  لكن التباين بين التطمينات الرسمية والانطباعات الشعبية يعكس حساسية الملف في ظلّ ظروف خدمية متفاوتة، وخصوصاً في المناطق التي تسجّل شكاوى متكررة حول جودة المياه.

ومن جهته، يؤكّد مدير مديرية الأمراض السارية والمزمنة في وزارة الصحة الدكتور ياسر الفروح لصحيفة “الثورة”: إن الحالات المسجّلة في عموم سوريا لا تزال ضمن الإطار المتوقع موسمياً ولا تشكّل خطراً وبائياً واسع النطاق.

وبيّن أن التقارير الواردة من برنامج الترصد الوبائي ونتائج التقييم الميداني تشير إلى أن الوضع الصحي في سوريا، رغم الارتفاع الطفيف في بعض المناطق، لا يزال ضمن الحدود المعتادة، وأن عدد الإصابات المسجّلة منذ مطلع العام الجاري 2025 بلغ 35,845 حالة، منها 1,980 حالة في محافظة درعا، بالإضافة إلى 345 حالة جديدة في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، وفي محافظة حلب بلغ العدد 1,849 حالة.

وأكد الفروح أن الزيادة المسجّلة في محافظة درعا، والتي شهدت تزايداً ملحوظاً، تم التحقق منها من خلال فرق الترصد الميداني، وأن الحالات لا تزال ضمن السيطرة ولم تتجاوز المعدلات السنوية المعتادة، مشيراً إلى أن الوضع لا يمثّل انتشاراً وبائياً واسع النطاق حتى الآن.

إصابات يومية في درعا ومخاوف من المياه

أبو جابر الحريري، من ريف درعا الشرقي، يرى أن الحديث عن انتشار المرض “ليس مجرد إشاعات”، ويقول: إن الانتشار واضح.
كل يوم نسمع عن إصابات جديد، المشكلة الأساسية بتلوث المياه، خصوصاً في القرى التي لم يصلها تعقيم كامل للخزانات والشبكات.

ويضيف لصحيفة “الثورة” أن مرض الكبد الوبائي معدٍ، والمدارس تساهم في نقله بسبب الاكتظاظ وضعف النظافة، وإن وجود طفلٍ واحدٍ مصاب قد ينقل العدوى لصفٍّ كامل.

من جهتها، تقول السيدة أم النور، وهي أم لطفلين من مدينة درعا: إن “الأعراض ظاهرة بوضوح على الأطفال، وجع بطن، واستفراغ، وصفار بالوجه”، وتتابع بلهجة حادة: “المشكلة ليست في النظافة فحسب… بل في أن التصريحات الرسمية لا تتطابق مع الواقع، نحن بحاجة إلى شفافية كي نعرف كيف نحمي أبناءنا”.

إجراءات لمنع تفاقم المرض

ورغم أن المؤشرات الصحية العامة في سوريا لا تعكس تفشياً خارج السيطرة، إلا أن محافظة درعا تصدّرت خلال الأيام الماضية واجهة النقاش العام بعد تداول صفحات محلية معلومات تتحدث عن انتشار واسع للمرض بين الأطفال في المدارس الحكومية، وأثارت هذه المنشورات حالة قلق بين الأهالي، خصوصاً أن بعض المدارس شهدت توقفاً جزئياً للدوام؛ ما دفع مديرية الصحة إلى التحرك وشرح حقيقة الوضع.

ويؤكد مدير صحة درعا الدكتور زياد محاميد في حديثه لصحيفة “الثورة” أن الإصابات المسجّلة حتى الآن محدودة وأن الوضع تحت السيطرة، موضحاً أن فرق الترصد تعمل يومياً في مناطق الغرية الشرقية والغربية، وبصرى الشام، وجاسم، وإنخل، ومنطقة الحمادين، وطريق السد، وأن التحاليل المخبرية الأخيرة أثبتت خلو شبكات المياه وخزانات المدارس من أي تلوث بعد تنفيذ عمليات تعقيم وتنظيف للشبكات وضخ مياه جديدة.

ويوضح المحاميد أن الأرقام المسجّلة جاءت بحدود أربع إلى خمس إصابات يومياً في ريف درعا الشرقي، وسبع إلى ثماني إصابات في الغرية الشرقية والغربية، وما يصل إلى 30 حالة في بصرى الشام، وما يقارب عشر إصابات في جاسم وإنخل، وهي أعداد تدخل ضمن نطاق الإصابات المتفرقة الطبيعية التي تشهدها المحافظة سنوياً.

ويشدد على أن الكوادر الطبية جاهزة للتعامل مع أي حالة، وأن التعامل مع التهاب الكبد الوبائي A بسيط نسبياً وسهل الوقاية منه، لافتاً إلى أن المديرية عمّمت تعليمات الوقاية على المدارس والمراكز الصحية مع توفير الأدوية والدعم اللازم.

لا انتشار غير مألوف.. والأحداث المتداولة قديمة

أما الدكتور نايل الزعبي، رئيس الأمراض السارية والمزمنة في مديرية صحة درعا، فيؤكد أن جزءاً كبيراً مما تم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي يعود إلى معلومات قديمة جرى تضخيمها، موضحاً أن مدارس مدينة درعا لم تسجل أي إصابة، وأن الحالات الموجودة في بعض القرى متفرقة وطبيعية ولا تمثل أي إنذار وبائي، وأن الأمراض الموسمية الأخرى مثل الجدري المائي والنكاف والحصبة تظهر في الوقت نفسه من العام بمعدلات مشابهة.

ويشير إلى أن المديرية تتابع الزيادة الطفيفة في بصرى الشام عبر لجنة مختصة تنفذ جولات توعية في المدارس حول الوقاية والنظافة العامة وطرق الحد من انتقال العدوى.

ما أسباب انتشار المرض؟

ولتسليط الضوء على البعد الطبي للمرض وأسباب انتشاره، يوضح الدكتور ياسر الفروح، في لقائه مع صحيفة “الثورة”قائلاً :إن العدوى تنتقل أساساً عبر سوء النظافة الشخصية ومصادر المياه الملوثة، مضيفاً أن تجمعات سكانية ذات كثافة مرتفعة مثل المدارس والأحياء السكنية قد تسهم في تفشي المرض بسبب بعض السلوكيات الاجتماعية مثل مشاركة أدوات الطعام والشرب بين الطلاب، مما يزيد من احتمالية انتقال الفيروس.

وأشار إلى أن تخزين المياه المنزلية غير المعقمة أو تلوث خزانات المياه قد يكون له دور كبير في زيادة انتشار المرض في بعض المناطق، ما يستدعي اليقظة والالتزام بالتوجيهات الصحية اللازمة.

ومن جهته، يقول أخصائي طب الأطفال الدكتور أحمد حمدان لصحيفة “الثورة”: إن وجود طفل واحد مصاب يكفي لانتقال العدوى إلى صف كامل في حال ضعف مستوى النظافة أو غياب التعقيم الكافي في الصفوف ودورات المياه.

ويشير  إلى أن الأعراض الأكثر وضوحاً عند الأطفال تشمل ألم البطن والإقياء والاصفرار والتعب العام وفقدان الشهية، موضحاً أن المرض غالباً ما يظهر كحالة حادة قصيرة المدى ويتعافى منه معظم المصابين دون مضاعفات خطيرة، بينما يعتمد العلاج في الغالب على الراحة وتعويض السوائل ومراقبة وظائف الكبد وتخفيف الأعراض عند الحاجة.

طرق العلاج

ومن جهته، يشرح الصيدلاني محمد الخلف ماهية التهاب الكبد في حديثه لصحيفة “الثورة”، مؤكداً أن الالتهاب يصيب الكبد وغالباً ما يكون ناجماً عن عدوى فيروسية، إلا أنه قد ينجم أحياناً عن اضطرابات مناعة ذاتية أو استخدام أدوية معينة.

ويوضح أن الضرر الذي يصيب نسيج الكبد يؤدي إلى ارتفاع الإنزيمات الكبدية وارتفاع البيليروبين بسبب ضعف قدرة الكبد على استقلابه، مشيراً إلى أن التهاب الكبد الفيروسي الحاد يعد من أكثر أسباب اليرقان شيوعاً لدى الشباب والأطفال على حد سواء.

ويضيف الخلف أن العلاج يكون غالباً علاجاً داعماً يعتمد على الراحة وتعويض السوائل وإعطاء بعض الشرابات الداعمة للكبد مثل ميتا أرتيبلين وباين بولين وب كومبلكس، مع إمكانية استخدام السيتامول بأقل جرعة فعّالة في حال ارتفاع الحرارة، مؤكداً في الوقت نفسه أن الوقاية تبقى العامل الأهم للحدّ من انتشار المرض.

إجراءات وزارة الصحة لمكافحة المرض

استجابةً لهذه الظاهرة، اتخذت وزارة الصحة عدة إجراءات تهدف إلى الحدّ من انتشار المرض، وقال الدكتور الفروح: إن الوزارة عملت على تعزيز نظام الترصد الوبائي في المناطق المتأثرة ومراقبة جودة المياه من خلال جمع عينات من مختلف المصادر، كما تم تنظيم جلسات توعية داخل المدارس، خاصة في المناطق التي سجلت فيها حالات انتشار، وتوزيع أقراص الكلور لتعقيم المياه، بالإضافة إلى تنشيط فرق التقصي والاستجابة السريعة في المحافظات.

وأشار أيضاً إلى أن الوزارة تتابع  الحالات عبر المخبرين المعتمدين وفق البروتوكولات الصحية المعتمدة لتأكيد حالات الإصابة والحد من انتشار الفيروس.

التوصيات والإرشادات للمواطنين

وفي سياق  مكافحة المرض، نصح الدكتور الفروح الأهالي والطلاب باتباع عدد من الإرشادات الوقائية، ومنها عدم مشاركة أدوات الطعام أو قوارير المياه، وتجنب مشاركة الأدوات الشخصية مثل القوارير أو الأواني بين الطلاب أو أفراد العائلة، بالإضافة إلى غسل اليدين بالماء والصابون بشكل منتظم، خاصة قبل تناول الطعام.

أما مياه الشرب، فيجب غليها أو تعقيمها بالكلور عند الشك في مصدرها، كما ينبغي غسل الخضار والفواكه جيداً قبل تناولها، وأكد أن تعزيز الوقاية الصحية مسؤولية تقع على الأهالي والمجتمعات من خلال ممارسات الوقاية في المدارس والمنازل للحدّ من انتقال الفيروس، وأن هذه الإجراءات البسيطة والمستمرة تسهم بشكل فعّال في خفض احتمالية انتقال الفيروس وحماية الجميع من الإصابة بالمرض.

آخر الأخبار
البنك المركزي.. توجه عربي ودولي لتطوير القطاع المصرفي موجة التهاب الكبد في سوريا.. قراءة هادئة في الأرقام والوقائع الميدانية تحويل رحلات جوية من دمشق إلى عمّان بسبب الضباب وزير الخارجية الإيطالي يدعو إلى مشاريع مشتركة مع السعودية في سوريا استكمالاً للمسار الدبلوماسي السوري الأميركي.. وفد من "الكونغرس" يزور دمشق استئناف الترانزيت عبر سوريا.. خطوة استراتيجية لتعافي الاقتصاد وتنشيط التجارة الإقليمية معركة التحرير في الاقتصاد.. من الاحتكار إلى الدولة الإنتاجية توقيت الزيارة الذي يتزامن مع عيد التحرير له رمزية...ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن في زيارة مرتقب... الاقتصاد الدائري.. مسار جديد لمواجهة التحديات البيئية والخدمية القطاع الصحي في حمص.. تقييمات ميدانية تكشف مزيجاً من التحسن والشكاوى اطلبوا الإعمار ولو في الصين! طلاب المهجر بين فرحة العودة وصعوبات الاندماج.. الفجوة اللغوية في صدارة التحديات لقاءات ندية في دوري المؤتمر كومباني وفابريغاس.. جيل مدربين شباب يصنع مستقبل الكرة الأوروبية الحياة تعود إلى ملاعبنا بعد منتصف الشهر القادم صوت النساء في مواجهة العنف الرقمي صورةٌ ثمنها مئات آلاف الشهداء المواطن يدفع الثمن واتحاد الحرفيين يعد بالإصلاح عندما تكون المنتخبات الوطنية وسيلة وليست غاية! أولى أمطار دمشق تكشف ضعف جاهزية شبكات التصريف