البنك المركزي.. توجه عربي ودولي لتطوير القطاع المصرفي

الثورة- هبا أحمد:

خطوات متتالية ومتسارعة يتخذها مصرف سوريا المركزي في سياق إعادة الهيكلة للنهوض بالقطاع المصرفي، والتعريف بدوره، وتعزيز الثقة وصولا إلى الاستقرار المالي.

إن تلك الخطوات تتخذ أشكالا مختلفة (مترابطة ومنفصلة) في آنٍ معا. محليا، عبر جملة من القرارات والإجراءات التي تهدف إلى توجيه جميع الجهود لخدمة الاقتصاد الوطني ودعم القطاع المصرفي، والتي كان آخرها إنشاء سوق سيولة بين المصارف، لتوفير منصة موحدة لتسهيل عملية تأمين السيولة للمصارف، لتغطية احتياجاتها للتمويل قصير الأجل.

وإلى جانب ذلك، هناك التحضير لإطلاق العملة الجديدة وما يعنيه ذلك للاقتصاد السوري. ودوليا، أطلق حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أول رسالة عبر شبكة “سويفت”، في خطوة وُصفت بأنها بداية عودة الاتصال التقني بالنظام المالي العالمي بعد سنوات من الانقطاع.

أما إقليميا، فمن خلال الزيارات المصرفية، بهدف الاطلاع على تجارب الدول الأخرى في القطاع المصرفي وكيف يمكن الإفادة منها ومن أنظمتها المتبعة بما يناسب الواقع المصرفي السوري.

وفي هذا السياق بالتحديد، تأتي الزيارة الدراسية لوفد من مصرف سوريا المركزي إلى البنك المركزي الأردني في عمّان بهدف الاطلاع على التجربة الأردنية في تطوير الهياكل المؤسسية وتعزيز الإجراءات التنظيمية والفنية في القطاع المصرفي.

الرفع الجزئي للعقوبات فتح بابا اقتصاديا واسعا أمام سوريا يمنحها في الشكل المبدئي حرية الحركة والتواصل اقتصاديا مع دول العالم، يتجلى ذلك في العديد من اللقاءات التي تمت مؤخرا، وربما أبرزها في واشنطن من خلال مشاركة سوريا بوفد اقتصادي في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين.

زيارة البنك الأردني

معهد الدراسات المصرفية والأكاديمية “الفنتك” الأردنية استقبل وفدا من مصرف سوريا المركزي الذي يقوم بزيارة دراسية إلى البنك المركزي الأردني في عمّان بهدف الاطلاع على التجربة الأردنية في تطوير الهياكل المؤسسية وتعزيز الإجراءات التنظيمية والفنية في القطاع المصرفي، إلى جانب تعزيز التعاون وتبادل الخبرات مع المؤسسات المصرفية العربية.

كما هدفت الزيارة إلى الاستفادة من برامج تدريبية متقدمة تُحاكي الاحتياجات الفعلية للقطاع وتتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، ولا سيما في ظل الاتجاه إلى التحول الرقمي في المعاملات المصرفية.

وأكد عمر الحلبي، خبير الدفع الإلكتروني والتحول الرقمي في مديرية مكتب الحاكم بمصرف سوريا المركزي، أن الزيارة تشكل فرصة مهمة للاطلاع مباشرة على التجارب التدريبية والممارسات العملية المعتمدة في المعهد والأكاديمية، مبينا أن البرامج المتخصصة في الإشراف المصرفي، والدفع الإلكتروني، والتقنيات المالية الحديثة، تمثل قيمة مضافة يمكن الاستفادة منها في دعم التحول الرقمي وتعزيز العمل المؤسسي في القطاع المالي السوري.

وحسب أصحاب الاختصاص، فإن التحول الرقمي يحتاج إلى إصلاح نقدي ومؤسسي واستعادة الثقة عبر تحديث قوانين المصرف المركزي واعتماد آليات لتطبيق سياسة نقدية فعالة لمكافحة التضخم وغيرها من الإجراءات ذات الصلة.

من هنا، فإن الزيارة إلى البنك الأردني، والتي يجب أن يتبعها العديد من الزيارات المشابهة إلى دول أخرى، تُسهم فيما ورد سابقا من نقل تلك التجارب والاستفادة منها لتطوير القطاع المصرفي، وبالتالي تعزيز قدرته على أداء دوره بالشكل الأمثل بعد أكثر من عقد ونصف العقد من الحرب والخلل الذي أصاب دوره الفاعل في تنشيط الاقتصاد الوطني.

وتأتي هذه الزيارة بتنظيم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ)، وبدعم من وزارة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية (BMZ)، ضمن جهودها الرامية إلى تعزيز قدرات المؤسسات الشريكة والمساهمة في تطوير الخدمات العامة ودعم مسار التعافي في سوريا.

يُشار إلى أن أكاديمية “الفنتك” الأردنية —المنشأة بمبادرة مشتركة بين البنك المركزي الأردني والمعهد— تُعد مركزا متخصصا في التدريب بمجالات التكنولوجيا المالية والابتكار، وتشمل برامجها الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وتقنية “البلوك تشين”، والأصول الافتراضية، بهدف دعم التحول الرقمي في القطاع المالي.

العودة إلى “سويفت”

أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، الخميس الماضي، بدء استخدام نظام “سويفت” (SWIFT) وربط المصارف العاملة في سوريا بالنظام المالي الدولي.

وقال حصرية: إن “عودة المصارف السورية إلى العمل بشكل كامل وعملي ضمن شبكة سويفت تمثل خطوة محورية تحمل انعكاسات اقتصادية ومالية واسعة، سواء على مستوى انسيابية المدفوعات أو على صعيد إعادة بناء الثقة مع المؤسسات الدولية”.

وأشار حصرية إلى أن الربط مع الشبكة العالمية سيسهم في تسريع المدفوعات الخارجية، لا سيما التحويلات التجارية ورسائل الدفع، وهو ما يخفف الاعتماد على قنوات بديلة غالبا ما تكون بطيئة أو مرتفعة الكلفة.

ووفق تقديراته، فإن هذا التطور يدعم خفض تكاليف الواردات والصادرات، الأمر الذي ينعكس إيجابا على النشاط الاقتصادي الداخلي.

يرى خبراء الاقتصاد أن تشغيل نظام “سويفت” فرصة كبيرة لإعادة تموضع الاقتصاد السوري على الساحة الدولية واستعادة دور المؤسسات المصرفية في تحفيز النمو الاقتصادي، لكن الاستفادة من هذه الفرصة تعتمد على اتخاذ خطوات إصلاحية جذرية لضمان تحقيق انتعاش اقتصادي مستدام.

ويشير آخرون إلى أن عودة المصارف السورية إلى نظام التحويلات المالية الدولية مثل “سويفت”، يسهل عمليات التجارة والاستثمار ويسهم في تحفيز الاستثمار الأجنبي مع إزالة القيود المالية، حيث يمكن للمستثمرين الدوليين دخول السوق السورية بسهولة أكبر، مما يعزز تدفق رؤوس الأموال ويخلق فرصا جديدة للنمو الاقتصادي.

لكن يبقى على القائمين على القطاع المصرفي العمل أكثر لتحديث القوانين المصرفية، وإعادة هيكلة المؤسسات المالية لضمان الشفافية والكفاءة في العمليات المصرفية.

ماذا تعني العودة؟

عودة الاتصال بـ”سويفت” لا تعني عودة التحويلات التجارية ولا تمويل مشاريع إعادة الإعمار، لكنها خطوة تتيح للمصارف السورية اختبار قدرتها على الاندماج مجددا ضمن المعايير العالمية، إضافة إلى استعادة القناة الرسمية لتبادل الرسائل المالية، وهو ما قد يعزز البيئة الاستثمارية، خصوصا إذا ترافقت مع إصلاحات اقتصادية ومصرفية تُعيد بناء الثقة بالقطاع المالي السوري.

من جانب آخر، فإن العودة إلى “سويفت” تعني أن تصبح الحوالات عبر البنك خيارا منطقيا من جديد بالنسبة للأسر والمغتربين، بدلا من أن يمر المال عبر وسطاء في السوق الموازية.

كما يعني عودة أدوات كان التجار وأصحاب الشركات يفتقدونها، أهمها “الاعتماد المستندي”، وهو ببساطة تعهد من البنك للبائع في الخارج بأن أمواله مضمونة إذا سلّم البضاعة المتفق عليها.

إلى جانب ذلك، فإن العودة إلى “سويفت” هي أول شرط لجدية أي سوق بالنسبة للمستثمرين.

يُشار إلى أن نظام “سويفت” هو نظام مراسلة مشفر يتيح للبنوك والمؤسسات المالية حول العالم تبادل أوامر الدفع والتعليمات بطريقة موحدة وآمنة.

ومما لا شك فيه أن تلك الإجراءات وغيرها من الخطوات العديدة، إلى جانب الانفتاح الدولي والإقليمي على سوريا، ما كانت لتتم لولا أن المسار السياسي والأمني السوري الذي يعطي مؤشرا إيجابيا إلى حد ما، وهو ما ينعكس اقتصاديا بطبيعة الحال.

آخر الأخبار
البنك المركزي.. توجه عربي ودولي لتطوير القطاع المصرفي موجة التهاب الكبد في سوريا.. قراءة هادئة في الأرقام والوقائع الميدانية تحويل رحلات جوية من دمشق إلى عمّان بسبب الضباب وزير الخارجية الإيطالي يدعو إلى مشاريع مشتركة مع السعودية في سوريا استكمالاً للمسار الدبلوماسي السوري الأميركي.. وفد من "الكونغرس" يزور دمشق استئناف الترانزيت عبر سوريا.. خطوة استراتيجية لتعافي الاقتصاد وتنشيط التجارة الإقليمية معركة التحرير في الاقتصاد.. من الاحتكار إلى الدولة الإنتاجية توقيت الزيارة الذي يتزامن مع عيد التحرير له رمزية...ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن في زيارة مرتقب... الاقتصاد الدائري.. مسار جديد لمواجهة التحديات البيئية والخدمية القطاع الصحي في حمص.. تقييمات ميدانية تكشف مزيجاً من التحسن والشكاوى اطلبوا الإعمار ولو في الصين! طلاب المهجر بين فرحة العودة وصعوبات الاندماج.. الفجوة اللغوية في صدارة التحديات لقاءات ندية في دوري المؤتمر كومباني وفابريغاس.. جيل مدربين شباب يصنع مستقبل الكرة الأوروبية الحياة تعود إلى ملاعبنا بعد منتصف الشهر القادم صوت النساء في مواجهة العنف الرقمي صورةٌ ثمنها مئات آلاف الشهداء المواطن يدفع الثمن واتحاد الحرفيين يعد بالإصلاح عندما تكون المنتخبات الوطنية وسيلة وليست غاية! أولى أمطار دمشق تكشف ضعف جاهزية شبكات التصريف