ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير علـي قـاســم:
لا تبدو رقعة الشطرنج المرتسمة على طرفي النقيض قادرة على انتظار الانقلاب في أحجار الدومينو التركية، وهي تعيد اصطفافها المقلوب من الأعلى إلى الأسفل،
بل في بعض اللحظات الفاصلة تشهد انزلاقاً غير مدروس ومستعجلاً في تحريك السياسة من مربّع التمترس خلف أبواب موصدة إلى تشريع نوافذ الاحتمالات على مصراعيها، بما في ذلك الحماقة والتهوّر والطيش بحثاً عن إبرة الخلاص في كومة من قَش الفوضى.
فكرة الإرهاب التي تتدحرج على مرأى من الجميع يصطف حيالها التركي حائراً، فيما حلفاء الأمس واليوم من داعمي الإرهاب ينزلقون خلفها، وبعضهم أمامها، وكلٌّ له حساباته ومعادلاته، حيث فيهم من يلهث للحاق بها، إلى حدّ الالتصاق خشية الانكشاف وافتضاح أمره، وبينهم من يتدحرج في خياراته السياسية معها، غير قادر على تحديد اتجاهاته، فيضرب أخماسه لأسداسه، وقد فرغت جعبته من الذرائع الملونة التي فقدت صلاحية الاستخدام، بعد أن فقدَت قبلها صلاحية الإقناع.
الواضح في سياق ما يجري أن التركي اليوم يتوزع بأدواره وممارساته بين جزئيات المشهد، وتتطابق عنده التفاصيل المتناقضة، ويحاول أن يجمع الصيف والشتاء تحت سقف واحد، بجملة من الحسابات التي تبدو أقرب إلى هلوسة سياسية لا تفسرها تقلبات التمسك بحلم الرجل المريض الذي أنهكته الحسابات الخاطئة والمقامرات المبنية على استطالات وتورّمات، لا يبدو أن القاعدة الجغرافية ولا الموقع السياسي قادران على تحمّل نفقاتها وما تفرضه.
وسط هذا الهيجان من الافتراض تنتقل الضفة التركية من هوامش السياسة إلى مجون الأهواء الشخصية، وتنفلت في هروبها من مشكلاتها الداخلية إلى أتون الصراع الإقليمي تحت شعار يُدينها أكثر مما يظهر براءتها، ووفق معايير تحجّمها، وتبرز من خلالها نقاط ضعف لا تستطيع أنقرة أن تخفيها خلف بوق الصراخ والضجيج اللذين ينطلقان من أفواه قادتها، تحت تأثير الصدمة من انفراط عقد التحالفات غير المعلنة واضطرارها إلى هجرة مؤقتة لصداقاتها مع التنظيمات الإرهابية.
اللافت أن النغمة التركية للتوافق والانسجام مع الحالة الأميركية -بما في ذلك مقولة «المعارضة المعتدلة»- شائكة ومرتبكة وتعاني من حالة إفلاس في الواقع السياسي التركي الذي يواجه مأزق خيارات كبرى في توجهاته السياسية وتفصيلات المشهد وتركيبة القوى التي أبدَت جميعها نزوعاً واضحاً نحو إعادة التموضع خلف متاريسها الانتخابية، تحضيراً لانتخابات مبكرة تكاد تكون خياراً وحيداً على ما فيه من مخاطر ناتجة عن انقسام حاد في الساحة التركية.
فالإرهاب الذي تواجهه تركيا لم يكن عابراً للحدود، ولا هو نتاج عملية تصدير له من الخارج، بقدر ما هو داخلي وبعوامل محلية، حيث الإرهابيون الذين نفذوا اعتداء سروج في داخل تركيا مقيمون على أرضها، وفق ما تسرّبه الصحافة التركية ولو على حياء، والحواضن التي أنتجَهم ورَعتهم وكبّرتهم، حواضن تركية صرفة، ومن منبع «العدالة والتنمية» وليس من خارجه، ويكاد فيها العامل الخارجي أن يكون مقتصراً على التحالفات بحكم الانتماء الجذري للإرهاب بالمنبع والمصب.
عند هذه التقاطعات تشعر تركيا بالهلع من كرة الإرهاب المتدحرجة ليس من خشية انفلاته، بقدر خوفها من المساحات التي يشغلها في كواليس «العدالة والتنمية» والكوادر المؤهلة لتكون عود ثقاب في هشيم الإرهاب أو حين تصبح عاملاً مرجّحاً لتساقط أحجار الدومينو التركية، التي بدأت رحلة تصدّعها، وفي أغلب عواملها تقف الخيارات التي أقدمت عليها قيادة «العدالة والتنمية» مدفوعة بأحلامها المريضة، ووظيفية دورها القيادي في محور الإخوانية العالمية.
فالتعويل على الأطلسي لا يبدو رهاناً رابحاً، ولا التعلق بإرضاء الأميركي كافٍ لإزالة ما علِق بكرة الثلج المتدحرجة، فيما المخاوف التي تتقاسمها مع نظيراتها من أدوات دعم الإرهاب تتضاعف على الضفة التركية، وتتراكم معها هوامش القلق والخوف من حقبة تعود فيها تركيا إلى تركة الرجل المريض، وقد أعيَتها الخيارات أو تضاربت على تخومها الحسابات الإقليمية والمعادلات الدولية، لتكون فرق الصراع بين الكبار في الإقليم وخارجه.
a.ka667@yahoo.com