ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علي قاسم:
لم تعد اليوميات التي يسطّرها المقاتل العربي السوري مجرّد مشاهدات عينية وحسّية لتفاصيل كان من الصعب على الخيال أن يجسّدها، أو أن يقدم مقاربته لها من دون أن يعتمد في تلك المقاربة على ما دوّنه المقاتل بأفعاله وتضحياته وبطولاته في الميدان،
حيث ما يمكن أن تنطق به الكلمات يبقى عاجزاً عن الارتقاء إلى محاكاة الواقع وما ترسمه تجليات المواجهة والحرب المفتوحة.
تحت هذا العنوان تبدو تلك اليوميات هي المحدّدات الأساسية في تدوين التاريخ الذي تكتبه تلك البطولات على مدى سنوات خلَت، وهي تجابه أعتى ما تعرّفت عليه البشرية في العصر الحديث من توحّش وظلامية، في مواجهة لا ترضى بأنصاف الحلول، ولا تحتمل التأجيل أو التسويف أو الانتظار، حيث الفارق الوحيد أن المقاتل العربي السوري يرسم محدّداته انطلاقاً من اللحظة التي يقرر فيها خوض معركة وجوده وثبات حضوره ميدانياً وإنسانياً.
في الوجدان السوري ثمة حكايات أخرى ترسمها تلك البطولات تتجاوز الحيّز الذي أنتجها، وتنطلق نحو أفق لم يكن متاحاً أن يتبلور لولا الإعجاز الذي يحكم يوميات التضحية وبسالة المواجهة، حين يضع المقاتل العربي السوري في تلك اليوميات تفاصيل روايته لما يجري ومرتسماتها الأولى عن المواجهة والتضحية والفداء التي لم تعد مجرد كلمات تعلق في نياشين البطولة، بقدر ما باتت جزءاً من ملحمة وطنية ترسمها على الأقل حالة الإقدام، وقد تطابقت فيها الحالة الوجدانية مع الفعل الإنساني بمختلف صوره.
عند هذه النقطة تتقاطع المؤشرات والمعطيات لينتقل المقاتل العربي السوري من صيغة تتناقلها الأجيال التي كانت شاهداً وربما جزءاً من محاور تلك البطولة، إلى رسالة إنسانية لها موجباتها، وحالة وطنية لها تجلياتها على أرض الواقع بحكم ما رسخته يومياته في جبهات المواجهة المفتوحة في جهات الأرض وعلى امتداد الأرض السورية، وبفعل ما عكسته من تفاصيل حياة السوريين على مدى السنوات الماضية.
يوميات المقاتل العربي السوري صارت يوميات وطن بأكمله، ويوميات للسوريين جميعهم، وتحوّلت إلى تفاصيل حياتية يتشارك فيها السوريون، ويتناقلون حيثياتها وما قدمته وما يمكن أن تقدمه في كل يوم، حتى باتت الروزنامة متشابهة في تفاصيلها مع إضافات نوعية تقتضيها مساحة التضحية التي يقدمها المقاتل العربي السوري.
بهذه الصيغة يتحوّل الوجدان الشعبي إلى يوميات متنقلة ومتحركة ترصد النبض الوطني، وتسطّر في صفحات الوطن ما أغفلته زحمة الأحداث وتواتر التطورات، وما عجزت الوجدانيات عن اللحاق به من دون أن تقترن بروح الإعجاز المتوثبة في زوايا العلاقة القائمة بين المقاتل والوطن وبين الوطن وما تستوجبه روح الفداء للبذل في سبيله.
وفق هذه المعايير باتت يوميات المقاتل مشهداً يعيد تركيب النسيج الوطني، ليكون اختزالاً مكثفاً ومركباً لمكوّنات الوطن، تحت عناوين ما أنتجته الأزمة وما فرضته تداعيات الحرب، حيث كانت هذه العناوين وستبقى ترسم مشاريع وطن آمن بحتمية النصر ولو طالت المواجهة أو استطالت، وبالثقة التي زرعتها تلك التفاصيل المدوّنة من دون أن تنسى ما جسّدته في الوجدان السوري.
يوميات المقاتل العربي السوري في عيد الجيش العربي السوري، وفي كل الأيام فسحة للتأمل وفرصة للتمعّن في الدلالات التي قدمها ويقدمها، وللغوص أبعد في تلك التفاصيل والمدوّنات التي كتبتها البطولات وصاغتها التضحيات، وخطّتها الثقة والإيمان بأنها ترسم طريق الغد وطريق النصر المؤزّر الذي بات حقيقة تُجمع عليها المؤشرات.. وتتقاطع حولها المعطيات.. وتتفق معها التحليلات والوقائع في الآن ذاته.
a.ka667@yahoo.com