ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم:
لم تكن ملامح المبعوث الأممي -وهو يدلي بدلوه في قصة الكيماوي- بعيدة عن الدرك الذي وصل إليه الخطاب الغربي، وهي تعكس ما تفوه به، وتتسق إلى حد التطابق مع سيل التباكي المخزي الذي عجّ به الغرب إعلاماً وسياسة ودبلوماسية.. وصولاً إلى الهيجان العاصف تهديدا ووعيداً، وهي ترسم تفاصيل التساؤل المرير: هل كانت الجريمة التي ارتكبها الإرهابيون بمثابة جائزة ينتظرها السيد دي ميستورا هو والمسؤولون الغربيون كي يبرروا تخندقهم مع الإرهابيين بعد أن اضطروا لمغادرته قليلاً أو المهادنة حياله..؟!
وحدهم ومن دون سواهم كانوا قادرين منذ اللحظة الأولى أن يحددوا أن الهجوم حصل من الجو، وربما قبل أن يحدث كان لديهم معرفة تفصيلية أيضاً بأن الكيماوي سيعاود الظهور، حاله في ذلك حال الإرهابيين الذين سبق لهم أن أعطوا التعليمات لتفادي آثاره، وبعضهم كان يحذر مسبقاً منه، وقد أعلن عن ذلك قبل ساعات في سبق لم يحققه أحد قبله..
أكثر الغلاة الإرهابيين الذين كانوا ينتظرون هذه الفرصة وأعدوا لها ما استطاعوا، لم ينزلقوا إلى حيث انزلق السيد دي ميستورا والخطاب الغربي، وهو انزلاق يصعّب مهمة المبعوث، وربما يجعل منها مستحيلة، حاله في ذلك حال وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا اللذين وصلتهما الأدلة قبل الحدث، لأن الفاصل بين أدلتهما التي ادعيا امتلاكها وما حدث لم يتجاوز بضع ساعات .. !! في وقت كان فيه وزير خارجية بلجيكا يشكك بإمكانية الجزم بحقيقة ما جرى، وأن الأمر يحتاج إلى شهور.
المفارقة التي أكملت حبكة التباكي الأممي والغربي أن إسرائيل لاقته على التقاطع ذاته مع إضافة لم تخفَ على أحد، حين أبدت كل هذا الحماس، وهي تدرك أنها تزج نفسها في فوهة البركان، وتفتح العين على ما لديها مما هو مسكوت عنه بالتواطؤ الدولي من ترسانة نووية وأسلحة محرمة دولياً، ورفض متكرر بالانضمام إلى أي معاهدة من المعاهدات الدولية المعنية، فيما كانت فرنسا قد سبقت دي ميستورا ونتنياهو في موقف ينم عن ضغينة وحقد يعكس الدرك السياسي الذي وصلت إليه مفازات السياسة الغربية والفرنسية على وجه الخصوص.
المتباكون على كثرتهم كانوا الجناة جميعهم ومن دون أي استثناء في ذلك، وإن الأبرياء في كل سورية وليس فقط في خان شيخون، هم ضحايا أولئك المتباكين شمالاً وجنوباً من المنصات الأممية إلى السائرين في الركب الإسرائيلي، وليس انتهاء بالموردين والداعمين والممولين للإرهابيين، في وقت بدأت فيه الأيدي المتورطة ترتفع ذوداً عن كارثية المشهد، وهي تدرك أنها الأصبع ذاتها التي ترفع اليوم دفاعاً عن الإرهابيين وهي تتباكى على الضحايا.
لسنا بوارد الدحض ولا الدفاع في قضية خسرتها منظومة العدوان قبل أن تبدأ، سواء كان عبر مجلس الأمن أم من خلال الفبركات والافتراءات التي تفجرت من ضخامة الكذب فيها، إلى الحد الذي اضطر الكثيرون ممن رغب بتبنيها إلى التشكيك فيها، حتى إن بعضهم رفضها تحت ضغط الضرورة القسرية، بحكم افتقادها للحد الادنى من المصداقية.
الحلقة الإضافية المعدة في الغرف المغلقة أو المفتوحة لم يعد أصحابها يشعرون بأي حرج بعد أن باع الغرب كل ما لديه في بازار الصفقات السياسية والمالية المشبوهة، فيما كانت أدواته الإقليمية تسقط ورقة التوت ومن دون حياء، وتتباهى بعوراتها في سياق المتاجرة بآخر ما في الجعبة من أدوار وظيفية تتطلبها منظومة العدوان كي تجدد مشاريعها وأطماعها على وقع الهزائم المتكررة، حيث الفرق الذي أحدثته حبكة الفبركة الأخيرة لن يخرج بأي حال عن مآل ما سبقه، حتى لو بدا للوهلة الأولى بغير ما هو فيه، أو تهيأ للمتوهمين بأنه قد يوفر بعض الوقت لترميم صفوف الإرهابيين أو وقف الانهيارات المتلاحقة في صفوفهم.
المقاربة الفعلية للحدث بأبعاده وسياقاته المختلفة جزء من سياق المواجهة المفتوحة ولو اقتضت شد حبال المجابهة، وقد تصلح لتكون نقطة اختبار للتحالفات القائمة، أو تلك التي يتم ترسيم ملامحها الأخيرة، حيث كانت الردود كافية للجزم بأن كذبة إضافية لن ترجّح كفة، وأن فبركة مختلقة وظالمة لن تعدّل الميزان، رغم ما تنطوي عليه من جرمية التعاطي معها، حيث يحضر هنا الفارق الحقيقي إلى حد الاختلاف وربما التناقض عما كانت تعوّل عليه، وأن الجريمة لن تمرّ من دون حساب، وأن القرائن الدامغة والرواية الموثقة الروسية التي احتفظ بها مجلس الأمن، والرواية السورية التي كانت صورة الحقيقة كما هي، تشكل قاعدة العمل المستقبلي للرد على الجناة في السياسة والإعلام والدبلوماسية شركاء الإرهاب بصفتهم الاعتبارية والشخصية..!!
a.ka667@yahoo.com