ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير علـي قـاسـم:
سيكون من الصعب على الأردنيين فهم وتفسير هذا الفجور الإعلامي الذي تمارسه بعض الأقلام المحسوبة عليهم، وهي تجري مقارنة لا تدخل في سياق المغالطة فقط، بل تتجنى على الواقع والحقيقة،
وتحاول أن تعطي وتوهب ما يصل في بعض تجلياته إلى مرتبة الأمر المنزّل الذي أحاط ويحيط مليكهم «قاهر الزمان والمكان»، وقد اصطف حراسه يميناً وشمالاً لتقديم الطاعة المصكوكة بصك أقرب إلى الإلهي منه إلى البشري!!
والمفارقة أن ما يحاكيه الخطاب الإعلامي الأردني يفتح الأبواب بدل إغلاقها، ويوصل السيل بما سبقه بدل أن يقطع ما هو قائم، حيث العودة إلى التاريخ والنبش في السير الذاتية لا يخدم الأردن الرسمي ولا الملكي فيه، بقدر ما يعيد إلى الذاكرة فصولاً من التآمر المزدوج الذي تسوقه لنا اعترافات متبادلة لن ندخل في سجال حول أحقية حضورها من عدمه، بحكم أن القرينة تبقى دائماً على المدعي، وهي لا تحتاج إلى برهان ولا تحتمل أي جدل أو نقاش حولها.
والأخطر أن تكون تلك التقولات سياقاً متواصلاً لبيع الوهم وتجارته الرائجة هذه الأيام، وهي ترسم خطوطاً من منحنيات وتعرجات لا تترك مجالاً للتأويل، ولا موضعاً للتفسير بحكم أن المعضلة التي تواجههم لم تعد في الوهم، باعتباره حالة تعبر عن إفلاس واقعي يقود إلى الهاوية، وإنما في استطالاته المرضية التي باتت تشكل عبئاً يثقل كاهل الأردن الرسمي منه والملكي، وفي المحاضر التي تحتفظ بها خزائن أو أدراج البيت الأبيض وسواها ما يكفي ليسود الصمت عقوداً إضافية أو على الأقل ليتجاهل ما جرى وكأنه من نسج الافتراض.
لن نذكّر بما تحتفظ به أيضاً تلك الأقبية والغرف التي تدار من الداخل الأردني، وهو ليس مقتصراً على سنوات مضت منذ وقت قريب، بل تتعداها إلى سياق تجربة تراكمت في الكنف الملكي حتى باتت ماركة مسجلة باسمه، لا يجرؤ أحد رغم باعه الطويل في الخدمة المجانية أن يجاري ما توافر لدى الأردن الملكي من خبرة وما «ورثه» من دور وظيفي لا بد أن «نعترف» بأنه أجاد استخدامه كما هو مرسوم، وأتقن تنفيذه مع إضافات كان يتبرع بها، وخدمات مجانية في أحيان كثيرة كانت تفيض عن حاجة الأميركي والإسرائيلي معاً.
في كل الأحوال ما يعنينا ليس ذلك «الردح»، ولا ما يتقوّلونه تجنياً وافتراء ولا في دحض ما يسوقونه، ولا ما يتاجرون به من أوهام يبيعونها بأبخس الأثمان، وإنما الأردن الشعب الذي يشاركنا ونشاركه التطلع المشروع والطموح إلى استقرار المنطقة، وأن أي اهتزاز هنا أو هناك يشمل الجميع، وليس من أحد بمنأى عنه، ولا هو خارج سياق تداعياته وانجرافاته، وهذا ليس وليد اللحظة، بل له امتدادات في المشهد الزمني لعقود خلت، وكان في كثير من الأحيان دافعاً لتحمل طويل وصبر أطول على كثير من التطاول في السياسة والإعلام والدبلوماسية مارسها الأردن الرسمي علناً وفي المنابر الدولية، كما جاهر باستخدامها في الجلسات المغلقة وأقبية الاستخبارات وغرف إدارتها في توجيه الإرهابيين وبمشاركة لم يخفِ أصحابها أنفسهم، بل أظهروها للعلن من باب التفاخر حيناً والتبجح في أغلب الأحيان.
لن يضير سورية أن يتحول العمل السري الذي يقترفه الأردن وغيره إلى علني، ولا مداولات الغرف المغلقة إلى سقوف مفتوحة تفضح ما تخفيه خلف ستار الشعارات وأكاذيب الادعاء، ولن تضاف إلى كفة منظومة العدوان ما يغير في قوى جبهات الاشتباك وموازين المواجهة، حين ينخرط الأردن رسمياً في خطط أميركية وإسرائيلية تعلنها الإدارة الأميركية نفسها، وتجاهر بها إسرائيل قبل سواها، فالعدوان حالة مستمرة وقائمة تمارس بأبشع صورها، لكن يبقى ماذا سيضيف الأردن الرسمي حين يمارس العدوان كغيره، وأن يتحرك من خارج التنسيق مع سورية كما يفعل أعداؤها، والسؤال الأهم الذي يترتب على الأردن أن يجيب عليه وعلى تلك الأقلام الموتورة أن تتجرأ على طرحه ولو مرة واحدة، حتى لو كان سراً، ماذا سيترتب على الأردن ذاته، وإلى أين سيقوده، وأن يجروا مقارنة ولو بلمحة سريعة بين كفتي الكسب والخسارة؟!!
لسنا بوارد الجزم وإن كانت الحقيقة لا تحتاج إلى من يجزم بها، لكن من نافذة الأمل بأن الوهم لا بد أن ينقشع يوماً وأن يكف البعض عن المتاجرة بالأردن ودوره ووجوده، وأن يتخلص الأردن ممن يريد أن يجره إلى حيث لا مصلحة له فيه، ولا ذنب للأردنيين في تحمل تبعاته، فربما حانت اللحظة التي يتيقن الجميع بأن الاختباء خلف إصبعه لا يجدي، وأن الاستجداء بغربال الفجور للتغطية على العجز والإفلاس والرضوخ والاستسلام لن يحجب ما يعرفه الأردنيون.. ولن يغير ما يدركونه ولن يعدل ما باتوا على يقين منه..!!
a.ka667@yahoo.com