في يوم النصر.. ماضياً وحاضراً

ثورة أون لاين-بقلم رئيس التحرير عـلي قـاسـم:

احتفت روسيا الاتحادية بيوم النصر على النازية وحقبتها وما سبقها، وكان منصة سياسية تمكنت من إتقان خط الكثير من الرسائل السياسية بأبعاد عالمية لا تخفى على أحد، وهي تجسد واقعاً فعلياً في العلاقات الدولية بدأت تتضح معالمه أكثر من أي وقت مضى،

حين تضع معايير فعلية تستمدها من تضحيات غالية وثمينة دفعها شعب روسيا ومعه شعوب دول الاتحاد السوفييتي السابق، مقدمةً مثالاً يحتذى به في المقاومة من أجل هزيمة الاحتلال النازي والانتصار عليه.‏

المقارنة بين مشهد التحديات التي تعرضت لها البشرية في حقبة النازية، وما تتعرض له اليوم بفعل التهديد الإرهابي تبدو قائمة، ليس في سياق التشابه أو التطابق إنما في إطار المواءمة التاريخية التي تسترشد غالباً بمؤشرات الخطر المحدقة، رغم الفارق في المعطيات والمؤشرات التي تقود إليها في نهاية المطاف، حيث النازية التي شكلت تهديداً وجودياً استلزم تنسيقاً دولياً لمواجهته، يقابله الآن استثمار سياسي في الإرهاب إلى حد التعويل عليه لإحداث التغيير الذي يعمل عليه الغرب، وصولاً إلى إعادة فرض هيمنته المطلقة على شعوب العالم.‏

الأخطر يبقى تلك المواجهة المفتوحة على خلفيات تتلون فيها الذرائع لإعادة احتلال العالم والسطوة على شعوبه تحت شعارات تتبارى قوى التطرف والإرهاب في نسج مسارات حضورها، ويتكئ الغرب الاستعماري العدائي ضد المنطقة وشعوبها على إرثه وتجربته الطويلة في التخفي وراء تلك الشعارات لتسويق مسارات تطرف وإلغائية لا تبدو في كثير من مظاهرها أقل خطراً مما شكلته شعارات النازية في ذلك الحين، حيث المقارنة لم تعد في الخطر الإرهابي فقط باعتباره شكلاً من أشكال التحدي الدولي، وإنما في سياق التوظيف السياسي المعتمد والاستثمار في حقول تجنّيه على البشرية والوجود.‏

الاحتفال الروسي بعيد النصر يشكل محطةً للتوقف عند دروس التاريخ وما قدمته من تجارب حية تصلح للمجاهرة بأوجه الشبه، وقد دفعت إلى الجزم بأن روسيا التي دافعت عن أوروبا، وضحّت من أجل خلاصها من النازية، تدفع ثمن وقوفها في وجه الإرهاب ومحاربته- جنباً إلى جنب مع سورية- من أوروبا ذاتها التي تعاقبها، وأوروبا نفسها التي تحاصر الشعب السوري وتبدي عدائية متوحشة تجاهه، رغم أن مواجهة الإرهاب ليست دفاعاً عن سورية وروسيا ومن معهما فحسب، ولا عن أوروبا فقط، وإنما عن البشرية وشعوب العالم قاطبة، وهي التي حضرت بقوة في الخطاب السياسي الذي دشنته مراسم الاحتفال الروسي، ووضعته عنواناً تفصيلياً عريضاً من عناوين العلاقات الدولية في مرحلة من أخطر مراحل المجابهة التي تتشابك فيها الأدوات والقوى والمصالح والأطماع.‏

فأوروبا تحتشد بتبعيتها المقيتة خلف أميركا فرادى وجماعات، لتمارس شهوتها في ممارسة العدوان على سورية وسواها، وإشعال الحروب، وهي تلوّح بأدواته جنوباً وشمالاً وشرقاً بنسخته المعاصرة، ممثلة بالإرهاب وتنظيماته، وقد جمعت مرتزقة الأرض من غربها إلى شرقها، وتستقوي بحماته ومموليه ومشغليه الإقليميين، غير عابئة بما يجرّه من ويلات، ومحاولة أن تتناسى ما عانته أوروبا ذاتها من ويلات وفظائع النازية، التي تحاكيها جرائم تلك التنظيمات الإرهابية اليوم وربما تفوقت في بعضها، وهي الخطر الداهم الذي لن تكون أوروبا بمنأى عنه.‏

روسيا التي تنبهت باكراً إلى خطر الإرهاب وقدمت في سبيل مواجهته تضحيات، وتحملت ما تتحمله، تنطلق من إرث التجربة الكبيرة التي تحيي يوم نصرها على النازية بمحاكاة واقع جديد للعلاقات الدولية تنتفي منه الهيمنة والسطوة ومحاولة استضعاف الشعوب، لتعيد للعلاقات الدولية شرعيتها المهدورة، وللنظام العالمي قواعد اتساقه المتهتكة بفعل سياسة العدوان التي تمارسها أميركا ومن معها، وهي ترسم خطاً من انزلاقات خطيرة في المشهد الإقليمي والدولي لا يمكن التكهن بنتائجه، خصوصاً مع الموجة الجديدة من خطوط التصعيد في جبهات مفتوحة وأخرى تتحضر لإشعالها.‏

يوم النصر في روسيا الاتحادية لم يعد حدثاً استعراضياً أو احتفالياً يعيد التذكير بما قدمته من بطولات وتضحيات، وما شهدته البشرية من موجات مدّ وجذر في علاقاتها وفي المخاطر التي تواجهها، بل هو مشهد تحضيري لمعالم نصر على الإرهاب ومن يدعمه، وباتت مشاهد الاحتفاء بيوم النصر تتسع بما يكفي لكثير من المعادلات السياسية بأبعاد وطنية وإقليمية ودولية، لترسم حداً فاصلاً بين مشهدين يتصارعان ويتواجهان، كانت الغلبة وستبقى كما هي دائماً للشعوب التي تضحي، وللدول التي تكون نصيراً لقضايا تلك الشعوب وسداً في وجه الهيمنة ومفرزاتها وفي وجه التطرف والعدوانية وما تستنسخه الأطماع الغربية.‏

a.ka667@yahoo.com

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” مرسوم بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعد شاغر في دائرة دمشق الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي