ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لم يكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينهي جولته في المنطقة حتى كانت نتائجها الكارثية تتفشى يميناً وشمالاً، بدءاً من ارتفاع منسوب الإرهاب في أكثر من مكان وليس انتهاء بجملة الإيحاءات الخاطئة التي حملتها وتحملها إشارات الرئيس ترامب ذاته، والتي انتهت بإبداء إعجابه الشديد بملك آل سعود.
لا أحد يعترض على ذلك «الإعجاب»..!!، وليس من الإنصاف في شيء حتى التعليق عليه، فرجل مهووس بالصفقات ويتعاطى مع السياسة الدولية كما تعامل مع «البزنس» الذي كان يدير من خلاله شركاته وأموره التجارية، ويتعاطى بعقلية التاجر ومدى ربحه وخسارته في الصفقات التي عقدها، فمن الطبيعي أن يعجب بشريك صفقاته الذي قدم له ما لم يقدم لرئيس سبقه، ولن يكون لما بعده، واستطاع أن يملي كامل شروط الصفقة كما يريدها، وفي أحيان كثيرة كانت أكثر مما اعتقد او افترض، وحتى أكبر مما طالب.
يضاف إلى هذه وتلك الهدايا الشخصية التي نالها والتي تجاوزت مئات الملايين من الدولارات هو وأفراد عائلته، حيث سجلت سابقة خطيرة في العلاقات الدولية لم نجد لها تفسيراً إلا في سياق الرشوة الموصوفة التي كانت صفقات التسليح وغيرها جزءاً أساسياً منها، بحكم ما يترتب عليها أيضاً سياسياً، وما يتراكم على حوافها المختلفة من تداعيات لن تقف عند حدود ومساحة ما ظهر حتى اللحظة من تصعيد خطير ليس فقط في محاور المواجهة التي أعدتها أميركا وإسرائيل والسعودية وحشدت لها، بل بين أقطاب الحشد ذاته، خصوصاً بعد استفحال الخلاف السعودي القطري والامتعاض التركي من أقطاب التحالف القائمة.
والمعضلة ليست في ترسبات العلاقة القائمة وما ستجره من كوارث على المنطقة والعالم فقط، بل تمتد لتشمل جوانب بدت أكثر حضوراً في سياق المباهاة الأميركية والخنوع السعودي المرير الذي يقابله على الطرف الآخر فرض إسرائيلي يتجاوز مسألة التطبيع في العلاقة إلى الحديث عن الشراكة التي ستنتجها في المنطقة وخارجها، وتتحضر من خلالها إسرائيل لتكون البديل المحتمل لقيادة التحالف الأميركي الذي استضافته السعودية، مع ما يترتب عليه من اعتراضات بدت خجولة حتى اللحظة.
القطبة المخفية بين هذه المشاهد المتدحرجة سياسياً وعسكرياً بالضرورة، وبين إعجاب ترامب الشخصي بملك آل سعود تتم المداورة عليها حتى اللحظة ومحاولة الإبقاء عليها طي الكتمان لا تزال قائمة، حيث لم يعد فقط «رزق الهبل على المجانين»، بل أيضاً منابع التمويل للإرهاب التي تفتح على مصراعيها وتتلاقى فيها القوى الإرهابية مع الدول الراعية والتي تمارس إرهاب الدولة، بدليل هذا الضخ السياسي والإعلامي والدبلوماسي لتبرير الراشي السعودي والتي تقابلها سياسة هوجاء وسمجة في تبرير تصرفات المرتشي الأميركي فيما الخاسر فيها المنطقة وثرواتها وأموال السعوديين التي تحولت إلى مجرد أرقام تكبر حيناً وتصغر أحياناً في سبيل إرضاء الغرور الأميركي وتلبية الرغبة الإسرائيلية بتطوير حالة التطبيع العلنية إلى شراكة أساسية لا حرج فيها، ولا خطوطَ حمراً يمكن أن تحد من سقفها.
وسط هذا الهيجان السياسي، كان من الطبيعي أن تحضر إلى الذهن عناوين فاضحة تخرج من فم الإسرائيليين كما تسيل على ألسنة المتحالفين وآخرها ذاك الدفاع الإسرائيلي عن داعش واعتبار التركيز الأميركي على محاربته خطأً ستدفع إسرائيل والسعودية ثمنه على حد وصف دائرة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وهو ما يصلح للاستدلال على الواقع المزري والدور الوظيفي الأكثر خطورة لآل سعود على مدى وجودهم المرتهن إلى الدور الاستعماري في المنطقة منذ عقود وحتى اللحظة، حيث التشبيه يقود إلى الحصيلة ذاتها مع فارق واحد أن التهديد الذي أطلقه ترامب حيال السعودية يعطي نتائجه بصورة لم يسبق أن وجدت لها ترجمة كما هو حال العائلة السعودية التي تهرول يميناً وشمالاً بحثاً عن سبل إرضاء أميركا وإسرائيل.
الأخطر ما يفرضه الهبل السياسي والجنون الدبلوماسي مع التفشي الإرهابي الذي وجد في التحالف الأميركي الإسلاموي مرتعاً خصباً يرتاد من خلالها ما عجز عنه في سنوات خلت كانت النيات الكاذبة فيها طريقاً أميركياً لم تحد عنه رغم التعرجات الهائلة فيه، فتصبح تجارة السياسة هي الرائجة ونظام الصفقات هو القائم وعقل التاجر هو الحاضر، فكان ترامب تاجراً يقامر بسياسة الدولة الكبرى ويحولها إلى شركة تجارية تحسب الخسارة والربح على مزاج المصالح الشخصية وتقلبات الأطماع التجارية، لأنه حتى لو أجاد في تصريف بضاعته، فقد أسرف إلى حد المغامرة في انتقاء زبائنه.
فأميركا ترامب وآل سعود وتحالفهما سواء المعلن في قمة الرياض أم المضمر بخلفياته ونوازعه.. لا يستطيعان إعادة عقارب الساعة إلى الخلف ولا أن يوقفا توقيت الزمن الذي يتناغم فيه يوم انتصار المقاومة مع ضبط الإيقاع الإقليمي والدولي، حيث العين لم تقاوم المخرز فحسب، بل كسرت نصله.. وأعطبت اليد التي حملته.. والحال لا يختلف كثيراً سواء بانت قطبة الراشي والمرتشي المخفية أم ظلت طي الكتمان..
a.ka667@yahoo.com