ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
تكثر التأويلات والتحليلات وحتى التسميات على ما اصطلح بمعركة البادية السورية، وسط سيل من المبالغات حيناً، ومن التحريفات طوراً، وبعض التسريبات التي لا تتسق مع الوقائع في شيء أحياناً، رغم ما يحيط بها من ضجيج سياسي وإعلامي واستخباراتي، وصل حد التوصيف لجزئيات الحدث القادم وتفاصيله، وربما نتائجه.
المواجهة تتخذ أبعاداً أكثر حدة وتتجه نحو التصعيد بصورة لا سابق لها، فيما الدبلوماسية تخلي مواقعها وتستغني عن حضورها المباشر على حلبة الصراع وتؤجل قنوات التواصل في حين كانت مراكز البحوث الأميركية المرتبطة باستخباراتها تروج للصدام الدولي، مما ألهب حدة التكهنات والاستنتاجات المرافقة لبعض الملامح العامة الصادرة في سياق التسويق الخاطئ والمخالف للتوليفة الفعلية للوقائع على الأرض، خصوصاً لجهة إعطاء ما هو آني صفة الديمومة والأخذ ببعض الصيغ المطاطة والتي تبدو حمالة أوجه في أكثر من اتجاه.
لا تبدو المعركة واحتمالاتها رغم ضرورتها هي الأكثر إلحاحاً للنقاش، وإنما المآلات التي ستقود إليها في سياق ما هو قائم، حيث اللعب بات على المكشوف والأوراق جميعها باتت على الطاولة، وهذا يشكل بالاستنتاج البسيط مؤشراً على حدة المواجهة أو على الأقل مفصليتها، باعتبار أن الأوراق المفرودة في نهاية المطاف قد تعكس فارق القوة فيها، لكنها لا تكفي لحسم أي اتجاه قائم، بدليل ما يجري من حسابات ومعادلات إقليمية ودولية تتباين صيغة التقييم الفعلي لها.
ويضاف إليها ما يجري تداوله من تعديلات أميركية في مصادر التعويل والتغيير الدائم في البيادق المعتمدة على رقعة المواجهة، حيث شكوى القوى المدعومة من الأردن من تأخر الدعم الأميركي بالسلاح يشي في بعض التفسيرات بأن أميركا قد غيرت رأيها، وأنها في طور التخلي عن اعتماد هذا الخيار، وهو يرتبط أصلاً بالخلافات الخليجية التي كان للأردن فيها نصيب يفوق حجم المطلوب منه وأن لغة التعاطف التي أبداها قد تجرّ ما هو أصعب.
معركة «البادية» المفترضة لم تنتظر الأيام التي تحدثت عنها التحليلات ولم تعترف بالمواقيت التي حددتها لها التخمينات، بل بدأت وقبل أن يتحدث عنها الإعلام، وكانت تفاصيلها تجري على الأرض من دون أن تأخذ إذن المصادر الاستخباراتية التي تسابق الزمن للمشاغبة على النتائج القادمة من خلال تسريب ما تريد له أن يكون مادة للعبث السياسي، أو موضعاً تلهو به التحليلات وبعض صبية المقاهي السياسية، حتى أن الكثير من المفاجآت التي حصلت لاحقاً كشفت عن أحداث وتطورات ومعارك وتفصيلات لم تتمكن حتى المصادر الاستخباراتية ولا مراكز بحوثها أن تأخذ علماً بها إلا بعد حين.
وهذا ما ينسحب أيضاً على مساحة المواجهة وتموضع الجبهات وتوزعها الجغرافي، فكثير من تلك الجبهات اشتعلت وأحدثت فرقاً هائلاً في أوراق الميدان والسياسة على حد سواء، في وقت كانت ترشحها التخمينات والتسريبات الاستخباراتية لمرحلة من الهدوء النسبي، والأمر ذاته أيضاً يمكن المحاججة عليه حين تم فتح جبهات في الإعلام أو عبر القنوات الاستخباراتية والتسريبات، لكنها بقيت في سياق الاستهلاك الإعلامي أو مادة للتسويف والتضليل، وهو ما سنراه بكثير من الوضوح في الأيام القادمة، حيث المعركة لن تكون في البادية وحدها، ولن تقتصر على جغرافيتها، بل ستمتد حيث يوجد الإرهاب أو من يستقوي به ويعوّل عليه، بحيث يصبح المصطلح المتداول في غير موضعه، ولا يعكس جغرافياً حقيقة ما يجري.
سياسياً.. المشهد بانتظار التطور الميداني، بعد أن بدت معركة كسر العظم في المحافل الدولية هي السائدة، ومرشحة بالقدر ذاته لتكون عنواناً في الجبهات الميدانية، والانكسارات الجزئية التي حدثت في بعض الجوانب يبدو أنها مرشحة لتعم مختلف المستويات، بدليل أن رسائل التذبذب الأميركي ومؤشرات التخلي عن بعض الأوراق بما فيها تلك التي كان يراهن عليها الأردن، ستكون ايضاً أكثر اتساعاً مما سبق، ولا سيما في ظل تقييمات تجزم بأن التصميم السياسي يبني خياراته وافتراضاته على الميدان وإرادة المواجهة بأوراق باتت واضحة وجلية، وأن الفزاعة الأميركية سواء كانت بالوكالة عبر مرتزقة أم من خلال العدوان لم تعدل في الإحداثيات على الأرض
معركة البادية اصطلاحاً أو تجاوزاً ترسم خرائطها قياساً على معطيات الإحداثيات التي تضعها إرادة المواجهة وأقدام الجيش العربي السوري وحلفائه، وما عدا ذلك لا يعدو كونه فقاعات آنية، وفي أفضل حالاته افتعالاً مستهلكاً لا يمكن صرفه في السياسة، ولن يستطيع رعاة الإرهاب تجييره في الميدان.. ولا قيمة أو تأثير له حتى في الدبلوماسية المحمولة على أكف الاستخبارات وتسريباتها.!!
a.ka667@yahoo.com