ثورة أون لاين – علي نصر الله:
إذا كان من المُسلّم به أن الحماقة التي أقدم عليها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوقيع قرار الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب ونقل سفارة الولايات المتحدة إليها،
هي خطوة متهورة وحمقاء من شأنها أن تُخرج المنطقة عن السياق، والعمل السياسي عن المألوف، فإن ما ينبغي التسليم به أيضاً هو أن هذه الخطوة الحمقاء ما كانت لتكون وتبلغ حدود ما بلغته من التهور واحتمالات الانزلاق لما هو أعمق، لولا أن حكومات عربية وغير عربية، في المنطقة وخارجها، انزلقت إلى حضيض غير مسبوق بالعمالة والخيانة.
الخطوة الأميركية إذا كانت في الواقع تُمثل حلقة في سلسلة لها ما سبقها، وقد اجتمع لها من الظروف ما يبررها ويُهيئ لها كخطوة، بل يدفع لاتخاذها والسير بإجراءاتها، فمما هو مؤكد أن لهذه الحلقة ما يلحقها ويليها ويستتبعها ربما بما هو أعظم وأخطر في كل الاتجاهات.
لا يمكن عزل حماقة ترامب عن سياقها الطبيعي سواء لجهة أن من اتخذها مأزوم داخلياً ويُعلق آمالاً على أنها ستنتشله من أزمته، أم لجهة أن الرجل غريب الأطوار الذي جيء به.. وأصلاً قد جيء به تحت عنوان أنه بلا خبرة وغريب الأطوار ليُقدم على ما لم يُقدم عليه أحدٌ من أسلافه، فيتحقق الهدف، أو في أسوأ الحالات إذا لم يتحقق، فإنه ينقل الحالة إلى حالة أخرى لم تعد تحتمل مزيداً من الاجترار فيها.
إذاً حتى الانزلاق إلى ما هو أخطر قد حسبت حسابه واشنطن، وربما استعدّت له قبل أن تتخذ قرارها الأحمق الذي أتى خارج السياق لناحية أنه مجاني لا يشترط على حكومة الاحتلال أمراً ولا يُلزمها حتى بتعهدات ستُمررها لها فيما لو لم تلتزم بها كما جرت العادة. وبمجانيته تلك فهو يكشف الكثير من المخبوء والمُريب المُتصل بأطراف أخرى مُتعددة ليس آخرها السعودية الشريك الأساسي للولايات المتحدة بمشروع داعش الإرهابي.
قرار ترامب قد لا يكون نتيجة مباشرة ملموسة لسقوط مشروع داعش، لكنه لا ينفك عنه، ولا ينفصل عن سياقات مشاريع أميركا العدوانية المُشتركة مع الكيان الإسرائيلي، ومع الأعراب والمستعربين، التي تستهدف محور المقاومة كطرف فاعل ووحيد ما زالت فلسطين قضيته، فلسطين كل فلسطين وليس القدس فقط برمزيتها وقُدسيتها، والأمر كذلك، ويتم على هذا النحو، فهو بلا أدنى شك نقلٌ مباشر لساحة الصراع إلى مكان آخر أكثر سخونة ومباشرة، بعد أن فشلت محاولات الولايات المتحدة وزمرتها ومجموعة أدواتها الالتفافية، وبعد أن سُدت طرائقها المتعددة.