ثورة أون لاين – العميد الدكتور أمين محمد حطيط :
ما ان اصبح صاروخ الباتريوت الاول الذي نصبه الاطلسي قرب الحدود السورية التركية جاهزا عملانيا حتى حاول الاعلام المعادي لسورية التهويل و الاستثمار
بالقول إن للغرب قدرات تمكنه من عزل العاملين الايراني و الروسي عن الازمة السورية من اجل الانقضاض عليها و هاهو الباتريوت اول الغيث.
يفعل الغرب ذلك لانه يعتقد بأن الذي حال دون انتصاره في سورية و منع من تدخله العسكري فيها حتى الان يرجع ميدانيا الى عوامل ثلاثة اولها القدرات العسكرية لسورية التي تمكنها من ادارة حرب دفاعية على اراضيها لا تريح الغرب ، و قدرات ايران التي توعدت الغرب منذ البدء و تؤكد ذلك على الدوام قائلة إن اي اعتداء على سورية يعني اعتداء على ايران و ان الرد الايراني سيكون واسعا و شاملا و يشعل مصالح الغرب و اتباعه و عملائه في المنطقة كلها ، و اخيرا السلوك الروسي الممانع لهذا التدخل و الذي عبر عن قدراته مؤخراً ، بالمناورات و بما اعلنه رئيس الاركان الروسي بان الجيش الروسي مستعد و قادر على خوض حرب واسعة النطاق ( و يفهم من العبارة انه مستعد لخوض حرب بعيدا عن حدوده ) .
ان الغرب و على رأسه اميركا يدرك هذه الحقائق ، كما انه يعلم ان خصمه يتقن تفسير السلوكيات و تحليلها فلا يقع في فخ او تهويل . فسورية و محورها و جبهتها تدرك منذ البدء بان صواريخ الباتريوت ، لم تكن من اجل صواريخ سورية تزعم تركيا بانها ستطلق عليها – و هو امر تعرف تركيا بانه لن يحصل طالما انها لا تهاجم بجيشها – ، بل ان الصواريخ في ذاتها جاءت في نطاق التهويل او العمل التحضيري الغربي لمواجهة ايران ، و روسيا من اجل ملفات خاصة بهما و من اجل تعطيل فعاليتهما النارية نصرة لسورية ان لزم الامر . و بالتالي يكون الغرب قد توخى من الباتريوت كما ذكرنا عزل ايران و روسيا عن الميدان السوري و الايحاء بقرب التدخل العسكري الاجنبي المباشر في سورية فهل حقق الغرب ما اراد او ما اوحى به ، عبر نشر صواريخ الباتريوت المحددة العدد و الاثر ؟
في الرد يجب ان لا نتوقف عند الشأن العملاني و الميداني للمشهد وحده بل ينبغي ان نقرأ المسرح الاستراتيجي برمته ، و نطلع على مايدور فيه من كل الجوانب التي لا تشكل الناحية العسكرية الا جزءا منها .
ففي خطته الاولى اعتبر الغرب ان بامكانه اسقاط سورية في مهل لا تتجاوز الاشهر و ان طالت فانها لا تتعدى السنة ، خاصة و انه حشد للعدوان كل ما يمكن تصوره من بشر و مال و عتاد و اعلام ، و سخر كل ما كان بيده السيطرة عليه او يصل اليه نفوذه من هيئات و منظمات دولية ، و قد كان النصر في ذهن الغرب مؤكدا حتى ان من كان يشكك بذلك من الخبراء الواقعيين و الموضوعيين كان يرمى باقذع الاوصاف متهما بالعجز عن الفهم العسكري و الاستراتيجي .
لكن الغرب الذي كابر في نهاية السنة الاولى و رفض الاعتراف بالهزيمة بعد ان تحققت وفقا للمعايير الاستراتيجية و العسكرية ، لم يعد بامكانه الان المكابرة و تجاهل واقع الميدان و المشهد الاستراتيجي المتشكل اليوم في سورية و حولها اقليميا و دوليا ، و ليس بمقدوره ان يوهم او يخدع العقلاء . و هو يعلم او عليه ان يعلم اي خصم يواجه .
لقد خسر الغرب حربه على سورية رغم انه جعلها حربا كونية حشد لها في الميدان مباشرة او خارجه ، نيفاً و مئة و اربع دول ، و في عمق تفكيره الان يدرك او عليه ان يدرك بان تحقيق هدفه الاساسي بات مستحيلا مهما فعل .بعد ان استنفدت المهل التي حددت كلها و استهلك ما يوازيها من زمن و ها هي المدة بمجملها تشارف على السنتين بعد ان كانت المهلة الاساسية لا تتعدى الستة اشهر ، و هنا لابد من ان نذكر بان المهاجم او المعتدي لا يعتبر منتصرا الا اذا استطاع ان يحقق الهدف او الانجاز الرئيسي الذي توخاه من عدوانه و من هجومه ، و في المهل الاساسية التي حددها و تجاوزا في المهل الاضافية التي اردفها ، و ضمن قدرته على الاحتمال و سيطرته على الوضع و التحكم بمساره و النتائج لاستثمارها سياسيا .و كل هذه القواعد تؤكد ان نصر الغرب بات في عالم المستحيل .
مع هذا الواقع قد يظن البعض بان الغرب لن يقبل بالخسارة و انه قد يلجأ الى ضربة في سياق الهجوم المعاكس ، ضربة عسكرية تحتاج اولا لاتقاء خطر التدخل الايراني و الروسي ميدانيا ، و تمد الارهاب بما يحتاجه في سورية لتحقيق النصر الفائت و الانجاز المبتغى باسقاط الدولة . و هو ظن قد يكون نقاشه مبررا في البدء لكن التحليل المنطقي و الموضوعي يقود الى اسقاطه بالادلة التالية :
1) تخلي اميركا عن فكرة الحروب لبسط السيطرة ، و اتجاهها الى العمل الدبلوماسي و السياسي المستند الى قوة الردع النووي دون الحاجة الى فتح الجبهات و زج الجيوش فيها ، و هذا ما رسمه الحلف الاطلسي في مفهومه الاستراتيجي للعقد الحالي و اكده عليه اوباما في خطاب القسم للولاية الثانية .
2) عجز الاطلسي بشكل عام و اوروبا بشكل خاص عن تجهيز القوى العسكرية التي تخوض الحروب الكبرى ، عجز كان قائما منذ اشهر و تفاقم الان و بشكل فظيع مع تورط فرنسا في مالي في مواجهة لا يستطيع احد معرفة نهايتها و حجم القدرات العسكرية التي تتطلبها .
3) وهن اسرائيلي في خوض حرب شاملة لم تتمكن اسرائيل بعد من تحقيق مستلزماتها الحمائية في نطاق ما تسميه مناعة الجبهة الداخلية التي افتضح امرها في مواجهات غزة في العام الفائت .
4) اما على المستوى العربي ، و اذا اسقطنا – بسبب سخافتها – مواقف من لا يملك من القدرات العسكرية شيئا و مع ذلك يستمر في طلب التدخل العسكري و اعمال الفصل السابع ( مثل نبيل العربي و حمد قطر ) فاننا نسجل المواقف السعودية و المصرية الداعية للحل السلمي ( رغم ان لكل طرف خلفية معينة ) و نتوقف اكثر عند الموقف الاردني الذي سجله الملك عبدالله الذي بات يئن و يصرخ محذرا من الاخطار التي تتهدد بلاده من الواقع السوري و التي لا يمكن دفعها بالمزيد من التدخل العسكري هناك بل بالبحث عن حل سريع يمنع قيام طالبان ثانية على حدود الاردن الذي ذهب بجيشه بامرة اميركا الى افغانستنان لقتال طالبان الاولى .
5) اما على مستوى الدمى السورية فيكفي ان نذكر بفشل مسعى « ائتلاف الدوحة « لتشكيل ماسمي حكومة انتقالية و رفض اميركا للسير بالمشروع و منعها لقطر من تمويله .
على ضوء ما تقدم نرى ان من يفكر بالتدخل العسكري و يفسر بان الباتريوت مرحلة تمهيدية له ، يكون كمن يصم اذنيه و يدير ظهره للشاشة و يبحث عن تفسير لما يدور عليها . اما الذي يريد المخرج الواقعي من الازمة و يبحث عن تحديد خسائره و انقاذ ما تبقى له ، فانه عليه ان يبحث عن طرق اخرى ، و هذا ما تقوم به اميركا بشكل اساسي و هي التي دخلت فعلياً في مرحلة الانسحاب الميداني من سورية و التفاوض على حل لا يرهقها و هي بحاجة في كل حال الى دخان يغطي هذا الانسحاب ، و تفرض على هذا او ذاك من اتباعها و الادوات ما يقنعهم بعدم جدوى المتابعة ، وفي سياق المناورة الاميركية التراجعية و ترجمتها الميدانية نفهم الاحداث التالية :
أ) نشر الباتريوت على اساس انه جدار احداث الستار الدخاني للانسحاب ، و ليس قاعدة نار للهجوم .
ب) اغراق فرنسا في وحول مالي و اضطرارها للاعتراف العلني بجمود الوضع السوري و بانها اخطأت التقدير في النظرة للرئيس الاسد و قدرته على المواجهة . و باتت تقر بانه من القوة بمكان يجعل من الحمق التفكير باسقاطه.
ت) اغراق مصر في الفوضى و بداية مرحلة تآكل «حكم الاخوان» و القضاء على طموحاتهم الكبرى في ان يكونوا حكام المنطقة .
ث) تراجع دور التيار المحتضن للارهاب في السعودية و تقدم التيار المعاكس المتوعد بمحاربته بعد ان بات خطره يهدد المملكة .
ج) الخوف و الحذر الاردني من تداعيات فشل العدوان على سورية و احتمال الارتداد على الواقع الاردني خاصة و على المنطقة عامة.
ح) دفع تركيا الى الاقرار مداورة بالهزيمة و الاعتراف بان الشعب السوري هو من يقرر مصير حكامه عملاً بالاسس الديمقراطية كما صرح مؤخرا مستشار الرئيس التركي .
كل ذلك يقود الى القول إن المواجهة حسمت على الارض السورية و بات المدافع واثقا من نصره و لا يمكن لاحد ان يتجاوز ما طرحه الرئيس الاسد من حل ، لانه سيتذكر دائما ان المنتصر يفرض و لا يفرض عليه . و في المقابل بات المعتدي مقراً بالعمق بهزيمته .و لن يؤثر اي حل او اي تفاهم او اتفاق على ما تقوم به سورية من ملاحقة و تطهير ارضها من الارهابيين الذين يتنصل الجميع منهم الان بما في ذلك من استخدمهم و سهل عملهم . و ان الدمى المنشأة اميركيا وغربيا تترنح الان و اذا كان اعلان وفاتها سيتأخر بعض الشيء خدمة لاميركا في حركتها التفاوضية فان العقلاء يعرفون انها باتت جثثاً لا روح فيها و لاتأثير .
نعم ان سورية و محورها كسبوا المواجهة ، و قد يقول قائل « لكن النار لم تتوقف بعد و القتل مستمر « و نرد بالقول أن النصر يكون في المواجهة الاساس و في الحرب و في الميدان حتى وقف النار ، اي يكون استراتيجياً و عملانياً و امنياً ، و الذي تحقق حتى الان و هو الاساس الذي يبنى عليه هو النصر في المواجهة و الحرب اي «النصر الاستراتيجي « ، اما استعادة الامن الى الميدان فقد يلزمه بعض الوقت لكن ما تبقى من معارك لن يغير في اتجاه النتائج وطبيعتها.