ثورة أون لاين- بقلم رئيس التحرير: علي قاسم
لا يخفي وزير الخارجية الأميركي استعجاله في الانخراط بملفات المنطقة التي خصها بزيارة عاجلة، ولم يتردد في إبداء اللهفة للمباشرة بتحريك المؤجل منها.. والمستجد أيضاً، والتي اقتضت في الحد الأدنى تقديم مقاربة أثارت هواجس ومخاوف أدواته في المنطقة،
على ضوء خطاب دبلوماسي بدا مغايراً في لهجته وأسلوبه عمّا اعتادته تلك الأدوات من سلفه، رغم ما أثارته من ردود فعل متباينة، لم تكن مظاهر الترحيب بها تكفي لإسكات تلك الهواجس، ولا لنزع مخاوف بدت أكثر جدية من أي وقت مضى.
وبرزت على الفور جملة من المؤشرات الارتدادية التي لم يكن بمقدورها تجاهل الخلفية الاستخبارية للوزير الأميركي من جهة، والمواقف التي تصنّف عادة في خانة التشدد، التي عرفت عنه من جهة ثانية، حيث مشهد الحسم في أمر العمليات الجديد كان يتردد صداه قبل معرفة تفاصيله، فلهجة التصعيد في المنطقة والمواقف العدائية تجاه دول بعينها بدت في الجهة المقابلة حمالة أوجه، ويصعب الجزم بنتائجها على وقع التداعيات الناتجة عن التسخين الأميركي المتعمد في الملف النووي، والتشدد إلى حد التطرف الأعمى في الانحياز لإسرائيل، التي انتزعت منه وعداً باستكمال خطوات نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة في موعدها، وربما كانت بحضوره وإشرافه المباشر.
فسياق الزيارة وما فرضته من قراءات سريعة تستوجب التوقف مطولاً عند هذه المحطات، على ضوء الإدراك المسبق بجدلية العلاقة بين تلك العواصم والقرار الأميركي بالتصعيد في المنطقة، حتى لو كان من بوابة الاتفاق النووي، الذي سينتهي به المطاف إلى قاع الابتزاز والمساومة من دون قرار جدي، إلا في توتير الأجواء واحتقان المشهد على نحو يحقق الأجندات الأميركية في المنطقة باتجاهين، الأول: في ابتزاز الخليج، والثاني: بمسايرة الهواجس الإسرائيلية من دون الوصول إلى حافة الانزلاق.
ازدحام حقائب الوزير بومبيو بالملفات الساخنة، قابلها أحاديث عن النقاشات الأكثر سخونة التي شهدتها محطاته في المنطقة، بدءاً من لهجته التي وصفت بالقاسية مع السعوديين.. وليس انتهاء بالتطمينات المبالغ فيها للإسرائيليين، مروراً بالتعاطف مع الأردنيين في هواجسهم ومخاوفهم من التداعيات المحتملة لمختلف السيناريوهات التي قدمها في سياق أمر العمليات الجديد.
الواضح.. أن الوزير الأميركي في عجلة من أمره، ويسابق الزمن في حسم الكثير مما هو مؤجل في الملفات العالقة، وهي عجلة تثير الكثير من التساؤلات بحكم التجارب المتكررة مع السياسة الأميركية، حيث مبازرات الرئيس ترامب التجارية ومساوماته، تبدو من وجهة نظر الخارجية الأميركية واجبة التنفيذ، وإذا لم تنفع معها الدبلوماسية.. فثمة وسائل أخرى أكثر إقناعاً، حيث لا يتردد بومبيو في الإعلان صراحة عن حزمة من التدابير الموازية والخيارات المفتوحة.
المريب في نهج الدبلوماسية الأميركية بطاقمها الجديد، أنها وجدت الأذرع التنفيذية لرؤية الاستخبارات الأميركية التي كانت تأخذ على دبلوماسية تيلرسون ترددها وصياغاتها التي بالغت في دبلوماسيتها، وفوتت على الإدارة الأميركية الكثير من الفوائد التي كان يمكن جنيها من صفقات لا تحتاج فيها إلى تواقيع، ولا إلى موافقات مسبقة، بقدر ما هي رهن الصياغات السياسية القادرة على إنجازها من خلال ملفات استخباراتية كان الوزير الأميركي قد حضّرها وجهّزها مسبقاً، ولا تحتاج إلى نقاش طويل، ما دامت الغرف المغلقة شاهدة على تفاصيلها التي تم تسريب بعضها بانتظار ترجمة ما تبقى منها.
ما خفي من أجندات حملتها جولة الوزير الأميركي يبدو أكثر بكثير مما تداولته ألسنة الحاضرين، فما هو معلن ليس سوى عيّنة من لائحة طويلة، تعمدت المصادر الأميركية تسريب بعضها كعناوين جمعت خلفها تفاصيل متخمة، تستعجل الخارجية الأميركية إظهار الفرق المنتظر بين أصابع الاستخبارات وقفازات الدبلوماسية، حيث الاختلاف يرجّح كفة التشدد والانزلاق نحو الصفيح الساخن الذي يحيط بالمنطقة من اتجاهاتها المختلفة، ما يؤشر إلى أنها مُقدِمة على صيف أكثر سخونة في ظل إدارة أميركية تميل بطبعها ومكوناتها نحو المواجهة، بعد أن ارتدت دبلوماسيتها وجهاً استخباراتياً، وأمنها القومي رجلاً صدامياً ينحو بالفطرة إلى توظيف فائض القوة الأميركية.
a.ka667@yahoo.com