ثورة أون لاين:
ضمن الجهود العلمية في البحث عن الوسيلة الأفضل لتقييم جوانب مختلفة من أنواع الاضطرابات المرضية لدى المرضى، وفحص مدى عمق المضاعفات والتداعيات المرضية لديهم، عرض الباحثون لوسيلة بسيطة يُمكن استخدامها من قبل طاقم التمريض من أجل تقييم قدرات البلع لدى المرضى الذين أصيبوا بالسكتة الدماغية.
– صعوبات البلع
وتعتبر صعوبات البلع أحد التداعيات المرضية التي قد تنتج عن السكتات الدماغية، والتي قد تتسبب بانتكاسات صحية لديهم، مما يتطلب الكشف المبكر عنها لدى أولئك المرضى كي يُمكن تفادي أي مضاعفات لها لديهم.
فأفاد الباحثون من مركز بحوث الصحة أن نحو 67% من المُصابين بالسكتة الدماغية يعانون خلال الأيام الثلاثة الأولى بُعيد الإصابة بها، من صعوبات في البلع، مما يتسبب بالكثير من المضاعفات الصحية ذات التأثيرات السلبية البالغة عليهم. وأضاف الباحثون القول في مقدمة عرض الدراسة: «يُعد الكشف المبكر عن صعوبة البلع أمراً بالغ الأهمية للحد من المضاعفات المرضية في المستشفى، ومن زيادة طول مدة البقاء فيها، لدى المرضى الذين يُعانون من أنواع مختلفة من السكتات الدماغية. وكان الهدف من إجراء هذه الدراسة هو تطوير وسيلة لفحص صعوبة البلع DHSS، وتقييم فاعليتها لدى المرضى الذين يُعانون من السكتة الدماغية». عناصر الفحص: مكونة من ثمانية عناصر تقييمية، إضافة إلى عنصر تاسع وهو مراقبة المريض أثناء بلع جرعة من الماء. ويُجري الممرض هذا التقييم للمريض.
وتفيد المصادر الطبية أن مرضى السكتة الدماغية المُصابين بصعوبات في البلع جرائها، هم أعلى عُرضة للإصابة بالتهابات الرئة مقارنة بمرضى السكتة الدماغية غير المُصابين بصعوبات في البلع. وتحديداً تشير الإحصائيات الطبية إلى أن احتمالات الإصابة بـ«الرشف الرئوي» Pulmonary Aspiration هي ثلاثة أضعاف لدى مرضى السكتة الدماغية المُصابين بصعوبات في البلع، مقارنة بمرضى السكتة الدماغية الذين ليس لديهم ذلك. و«الرشف الرئوي» هو حالة مرضية لالتهاب أنسجة الرئة العميقة Aspiration Pneumonia بالميكروبات أو بالمواد الكيميائية الحارقة، وتنجم عن صعوبات البلع التي تُسهل حصول الدخول غير الطبيعي لإفرازات البلعوم أو الطعام أو الشراب أو محتويات المعدة الحمضية، إلى الحنجرة ومن ثم إلى القصبة الهوائية ثم الشعب الهوائية وصولاٍ إلى الأنسجة العميقة في الرئة نفسها. والسبب أن حصول الإصابة بالسكتة الدماغية قد يُرافقه تضرر في الأعصاب التي تغذي العضلات التي تقوم بتسهيل عملية البلع الطبيعي للسوائل وللطعام كي يعبر مباشرة إلى المريء ومن ثم إلى المعدة، وهي العضلات التي من أهم وظائفها منع حصول أي اضطراب في عملية البلع بما قد يُؤدي إلى دخول السوائل والطعام إلى المجرى التنفسي بشكل غير طبيعي.
– الكشف المبكر: كما تفيد المصادر الطبية أن احتمالات الوفاة، واحتمالات زيادة مدة البقاء في المستشفى، ترتفع عند وجود صعوبات في البلع لدى المُصابين بالسكتة الدماغية. وتحديداً تفيد الإحصائيات الطبية أن معدلات الوفاة في الثلاثة أشهر الأولى، ترتفع بمقدار 11 ضعفاً حال وجود صعوبات في البلع لم يتم التعامل الطبي معها بكفاءة عبر الكشف المبكر عنها والعمل على التخفيف من آثارها بشكل صحيح أثناء تلقي المعالجة الطبية لحالات السكتة الدماغية.
وبالمقابل، تفيد نتائج الدراسات الطبية حول هذا الأمر، أن ثمة أدلة علمية كثيرة على الجدوى الثابتة للكشف المبكر عن صعوبات البلع، ليس فقط في خفض احتمالات حصول التهابات الرئة والمضاعفات السلبية الأخرى فيها، بل أيضاً في تقليل مدة البقاء في المستشفى وخفض الكُلفة المادية للعناية بمرضى السكتة الدماغية في المستشفيات. ولذا فإن الإرشادات الطبية لمعالجة مرضى السكتة الدماغية تشدد على ضرورة الكشف المبكر عن أي صعوبات في البلع يُعاني منها أولئك المرضى، وذلك باستخدام وسائل لتقييم عملية البلع. وتحديداً تتضمن الإرشادات الطبية للتعامل مع حالات السكتة الدماغية Stroke Guidelines في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأستراليا وغيرهم، إجراء تقييم عملية البلع بوسيلة معتمدة طبياً، وذلك من قبل أحد أفراد الطاقم الطبي المؤهل لإجراء ذلك، وفي وقت مبكر عند إفاقة المريض أو قدرته على التعاون في إتمام ذلك. وأن أولئك المرضى الذين يثبت أن لديهم صعوبات في البلع يجب عدم تقديم أي شيء لهم لتناوله عبر الفم NPO، ثم إعادة إجراء التقييم ذلك لهم بعد أربع وعشرين ساعة.
– عملية البلع… مراحل معقدة متتابعة
عملية البلع قد تبدو سهلة للبعض، ولكنها في حقيقة الأمر عملية معقدة، وتتطلب تناغم عمل الدماغ مع شبكة من الأعصاب المغذية لمجموعات وطبقات من العضلات، وكفاءة عمل صمامات عضلية، وفتح مدخل المريء وقفل مدخل المجرى التنفسي في التوقيت الصحيح، وعمل الأنبوب العضلي للمريء بكفاءة. وتحصل عملية البلع ضمن ثلاث مراحل رئيسية. والمرحلة الأولى هي المرحلة الوحيدة التي نشعر بها ونسيطر عليها، وفيها يتم احتواء الطعام أو السائل، المراد بلعه، في الفم وتجميعه في كتلة واحدة، وذلك عن طريق عمل اللسان والحنك في تجويف الفم لإتمام عملية التجميع تلك.
وتبدأ المرحلة الثانية عندما يتخذ الدماغ القرار بابتلاع تلك الكتلة المتجمعة في الفم، وهنا تبدأ سلسلة معقدة من الخطوات التي تتسم بالتحفيز والاستجابة من مناطق مختلفة في البلعوم Pharynx، وذلك بدفع اللسان والحنك لكتلة الطعام أو السائل إلى الحلق. وهو ما يُحفّز في الوقت نفسه حصول أمرين آخرين، الأول هو فتح الصمام العضلي في الجزء السفلي من البلعوم، مما يسمح للطعام أو السائل بالدخول إلى المريء، والثاني إغلاق العضلات الأخرى لمجرى الهواء المؤدي إلى القصبة الهوائية من أجل منع دخول الطعام أو السائل إلى المجاري التنفسية. وهذه المرحلة، أي المرحلة الثانية، تستغرق مدة زمنية لا تزيد عن نصف ثانية في الحالات الطبيعية.
وتبدأ المرحلة الثالثة بدخول الطعام أو الشراب إلى المريء، الذي هو عبارة عن أنبوب عضلي يبلغ طوله نحو تسعة بوصات، وآنذاك يبدأ حصول موجات من انقباضات التقلص والارتخاء العضلية بصفة متناغمة ومنسقة ومتعاقبة، والتي تُؤدي إلى وصول كتلة الطعام أو الشراب إلى صمام عضلي في النهاية السفلية للمريء. وتستغرق هذه المرحلة الثالثة ما بين 6 إلى 8 ثوان لإتمامها.
ويُمكن أن تتسبب مجموعة كبيرة من الأمراض في حصول صعوبة أو عُسر البلع، وهي ما تشمل بشكل رئيسي:
– اضطرابات الدماغ، مثل تلك الناجمة عن مرض باركنسون العصبي أو التصلب اللوحي المتعدد MS أو التصلب الجانبي الضموري ALS أو غيرهم من الأمراض العصبية.
– اختلالات وظيفية في عضلات الفم أو البلعوم، كما في حالات السكتة الدماغية.
– فقدان الاسترخاء في العضلة العاصرة للمريء.
– تضيق المريء، كما في حالات المزمنة لتسريب أحماض المعدة إلى المريء أو حالات أورام المريء.
السابق