ثورة أون لاين- علي نصر الله:
لا يختلف اثنان من أعداء سورية، وليس من الذين لم ينخرطوا في الحرب والعدوان ضدها على النتيجة الماثلة، من أنها انتصرت في الحرب، وفي المواجهة هي الطرف الذي ربح، وبالاستراتيجية هي الجانب الذي أسهم بثباته وصموده بتغيير وشيك الحدوث لوجه العالم بمعادلاته وتحالفاته التي ستترك أثراً عميقاً في رسم الملامح الجديدة للنظام العالمي التي لن تقتصر على العلاقات الدولية،
بل ربما تُحدث انقلاباً مطلوباً طال انتظاره لتُطوى معه صفحة الهيمنة وسياسات البلطجة الأميركية.
بالتأكيد لن تقع التَّغيرات الكبرى هذه بالسرعة التي يتمناها الكثيرون، وستستهلك الوقت الكافي لتَحدث من دون أن تتسبب بانهيارات ومشكلات من شأنها أن تهدر قيمة الهدف العظيم الذي سيتحقق، لكن ليس هناك ثمة ريبة بأن المسار الحالي لن ينتهي إلا إلى تحجيم أميركا وإرغامها على التراجع خطوات وخطوات، فضلاً عن إلزامها بإجراء مراجعة كلية لسياساتها لتتجنب على الأقل التفكك واحتمالاته التي تُهددها في مصيرها.
بالأدلة، يُمكننا تَثبيت ملامح الحالة التي ستؤول معها دول وكيانات إلى واقع لم تحسب له حساباً في يوم من الأيام، ذلك أن كُل وليس جُل ما تقوم به الولايات المتحدة ومعسكرها ومجموعة أدواتها اليوم ينحصر بمحاولة الهروب من مواجهة النتائج مباشرة.
لا ننكر على الولايات المتحدة قدرتها على المناورة وإشغال الخصوم والأعداء، ولا قدرتها على إلحاق الأذى بالعالم وهي صاحبة اختصاص مُحترفة في هذا الأمر، لكننا نستطيع الجزم بأنها لن تتمكن من الخروج مما هي فيه كما لو أنها لم تخسر الجولة التي لا تُشبهها كل الجولات السابقة.
أميركا البراغماتية التي تبيع وكلاءها وتتخلى عن حلفائها عندما تقتضي الحاجة القيام بذلك، لا تفعل شيئاً اليوم سوى أنها تُحلل الواقع وتضع الخطط والخطط البديلة التي تحفظ لها المكانة والدور، وبما لا يُخرجها من الحلبة مُنكسرة، فهي تحاول هضم جزء من نتائج الانتصار السوري والتصالح مع تداعياتها الدولية، وتسعى لتعطيل ما أمكن منها للتخفيف من أثرها المستقبلي، وتحاول تدوير الزوايا من دون أن تتخلى عن سلاح العقوبات والحظر والتهديد بالقوة للالتفاف على ما لا تريد له أن يَترسخ أو يُرسخ حالة تضطر للتسليم بها والخضوع لها.
هل لاحظ أحدٌ ما الهمّ الذي يشغل رئيس الولايات المتحدة في هذه الأثناء وهو يقف على أعتاب انتخابات داخلية؟ وهل يتذكر العالم عناوين الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، من أميركا أولاً .. إلى حلب البقرة الخليجية السعودية التي سيذبحها عندما يجف ضرعها؟ هو اليوم يُعيد الخطاب ذاته، يريد جمع المال الذي يَعتقد أنه سيُعوضه خسارة أميركا حروبها العبثية العسكرية والتجارية.
الجديدُ أن ترامب يُضيف إلى السعودية اليابان وكوريا الجنوبية، في سؤاله: لماذا نحمي هذه الدول؟ ولماذا ندعم جيوشها؟ فقط لأنها تملك المال، وهو يبتزها بأبشع الصور التي لا تسيئ لها فقط بل له ولبلاده المُتخم تاريخها بالقذارة والذي لم تعد سجلاته تتسع للمزيد من العمل الإجرامي والممارسات اللا أخلاقية.
يقول ترامب لعاهر السعودية: «لن تبقى في الحكم لأسبوعين من دون دعم الجيش الأميركي، معنا أنتم في أمان تام، لكننا لا نحصل على ما يجب أن نحصل عليه»، فهل هناك خطاب أَحطّ من هذا؟ وهل هناك أهم دليلاً من هذا على عمق ما تستشعره أميركا من خسارة تُخرج أسوأ ما عندها لتُعوضها؟.
لقد هزمنا المشروع الأميركي الأخطر، ونتائج انتصارنا الناجز لن يتمكن أحدٌ من تعطيلها، أو تفريغها من مضامينها، فالولايات المتحدة تتجه للعزلة والانكسار، وأما أدواتها الخليجية وغير الخليجية فلا أحدَ يعلم كيف تكون أيامها التالية من دون حماية قد لا تَجدها وقد لا تملك ثَمنها!.