«اليوم في دمشق كسنةٍ في سواها.. في دمشق لانشتاق إلى امرأةٍ أو مدينة، ولا نكتب القصائد.. لانفعل ذلك، لأنه لا يمكننا أن نرتكب المعاصي في الجنة،
الجنة التي ما زالت على سحرها وهي محاطة بجهنم، والحياة التي تتدفَّق كأنهارها السبعة، لم تتوقف رغمَ الجراحِ في شجرِ الضفاف.
&&NEWS14\M10\D14\6-1.jpg&&
القصائدُ لاتعلق على الأستار ولكنها تُنقش على الجدران، والتاريخ الذي كان صعباً عليه أن يمشي في الحارات من شدة ازدحامها بالناس، وجدَ أخيراً مكاناً آمناً له في حجارتها.»
كلماتٌ، قالها الشاعر اللبناني «مهدي منصور» عن عاصمةِ وطن الحب والجمال والنور.. دمشق، التي نحن على موعدٍ دائمٍ مع ما قاله عنها ولأجلها، عشّاق الحياة والكلمة الإبداعية.. أولئك الذين أبوا وبعد أن شاهدوا الظلام والموت يحيطان بها، إلا أن يبلسِموا جراحها بقصائد وكلماتٍ، هي رسائلهم التي خاطبوا فيها كلّ الإنسانية: «الطريق إلى الشام مزروعة بشجر الحكايات التي لا تنتهي. عند كل محطة في المسافة الهيّنة روايات شاقّة تبدأ بتغييرك، تعيد ترتيبك إلى أن تصل إليها شخصاً آخر، شخصاً مؤهلاً للانخراط فيها فلا تشعر بغربة أو قلق.. لتعرف نفسك، عليك إمّا أن تسلك طريقاً إلى داخلك، أو أن تسلك الطريق إلى دمشق»..
إنه ماأعلنهُ «منصور» الذي عُرف بانحيازه إلى كلِّ إنسانيٍّ وأخلاقيٍّ فينا.. يترجم الأحاسيس ويُطلقها قصيدة تواجهُ قارئها بـ سؤاله: «متى التقينا»؟.. تخاطبهُ «أنت الذاكرة» وتشاكسهُ «كي لا يغار الأنبياء».. بعدها، تصرخ في وجه أعداء وطنه-وطنها: نجّستم الكون إلى أن باتت «الأرض حذاء مستعملا» يا أبناء النجاسة والوباء.
نعم، هذا ماأعلنهُ «منصور» الذي بات يشعر بأن جراح الإنسان هي الجراح التي تؤلمه، وبأن نزيفه هو انهمارُ قصائده رفضاً لهذا النزيف، وصراخاً يستنكره: «كلّ جرحٍ في الأرضِ ينزفُ مني.. يا إلهي، من أيِّ جرحٍ أغنّي»؟..
أعلن ذلك، بعد أن تيقّن بأنه «في حضرة التراب تخضرُ اللغة» وفي حضرة الوطن والشهيد، تصيرُ كل اللغات قصائد مفجوعة وموجِعة.. أيضاً، في حضرةِ الدمار والنار والقتل، تكون القصيدة هي الشاهد الأصدق على أن «الموت لا يدخل دمشق ولو متخفِّياً»..
دمشق التي سعى لكفكفة وجعها كما وجع حلب، وعبر قصائدٍ أحيتها لأنها الحياة التي لاتموت، والحبّ الذي لاينال منه تعب.. الحبُّ الذي جعلهُ يصدحُ مناجياً إياها، ومعانقاً مداها: «أمرّ باسمكِ إذ أخلو إلى تعبي»/ كما يحنّ دمشقيٌّ إلى حلبِ/ بيتي الذي نثرته الحرب ظلّ به/ قرص الصلاة، تسابيحٌ، ورأس أبي…/ وحائطٌ جرحتهُ عينُ قاذفةٍ / أعلى النوافذ ما يُبني على الخربِ…/ ولدت جرحاً عتيقاً، هكذا هرماً/ ولست أذكر يوماً كنتُ فيه صبي/…
لايكتفي «منصور» بكفكفة وجع دمشق بقصائده، ذلك أنه سعى لإطلاق هذه القصائد في فضاءاتٍ أرادها تترنمُ بصوتِ الحب الذي وجده في حنجرة الفنانة السورية «فايا يونان» التي غنَّت وطنها: «ستكونُ لي لو تعشقُ الأوطانَ مثلي/ سأكونُ لك لو عادَ للأوطانِ أهلي/ عُرسي هنالك َحيثُ يحملني فؤادي/ وأموت فيكَ/ متى تموتُ على بلادي/ وأنا أحبكَّ كي ندوس على المدافع/ وتضيق بالأطفالِ ساحاتُ الشوارع/ ومتى يعود الصبحُ من بين الرمادْ/ سأموتُ فيكَ/ أموتُ فيك/ وقد أخونك مع بلادي».
هذا ما اخترناه مما قيلَ لأجل سورية.. ما اخترناه مما قاله «مهدي منصور» الشاعر اللبناني المقاوم الذي جمع بين دراسته للفيزياء وجزئيات الواقع والحياة، وبين الشعر الذي جعله يغوص في أسرار الوجود والذات.
من دواوينه: «متى التقينا».. «أنتِ الذاكرة. وأنا».. «قوس قزح- للأطفال».. «كي لا يغار الأنبياء».. «يوغا في حضرة عشتار».. «مريم».. «الأرض حذاء مستعمل» و «أخاف الله والحب والوطن» و»فهرس الانتظار» الذي سعى لتضمينه قصائد، كُتبت على مدى مراحل انتظاره الطويل للدخول إلى: وطن يليق بأحلامنا وحبّ يليق برغباتنا وآلهة تنظر بعين الحبّ إلى أجنحتنا وآلامنا وشهدائنا..»..
هفاف ميهوب
التاريخ: الأحد 14-10-2018
الرقم: 16810