منذ بدايات ظهور اللوحة كفعل ثقافي في نتاج كبار مبدعينا الرواد، برزت إشكالية ارتباط أعمالهم بالتقنيات المستهلكة والمألوفة والمطروحة بكثرة في الفنون العالمية،
التي ظهرت منذ بداية الربع الأخير من القرن التاسع عشر.
ومن هذا المنطلق نجد أن التعبير باللمسة اللونية العفوية، في التجارب التشكيلية العربية الحديثة، كان في جوهره, ومنذ البداية، محاولة لاستعادة الطريقة ذاتها، التي أطلقتها صالونات العواصم الكبرى، لما بعد الانطباعية الفرنسية, لأن التجديد في الفن العربي الحديث، لا يعني استعادة الصيغ الغربية الجاهزة، وإنما الاندماج بنبض التراث والعناصر الحضارية والحالة الداخلية الذاتية، لأنه حين يكون الإحساس يكون الكشف في حركة الخطوط والإشارات والدلالات اللونية.
حتى ان الفنان الأوروبي الحديث, كان سباقاً في إدراكه المبكر لمعنى الحداثة الكامنة في إعادة صياغة الزخارف العربية، والرموز الشرقية القديمة، حين اعتمد تلقائية وعفوية اللمسة اللونية، التي أيقظت تلك الزخارف والرموز، وبذلك أصبح من المتعذر في أحيان كثيرة، توضيح صورة الاختلاف بين اللوحة العربية الحديثة وبين اللوحة الأوروبية.
وهناك فرق شاسع بين الدخول إلى عالم الشرق في شكل مفتعل، وبين استعادة الطابع السحري لبريق اللون المحلي، الذي يوقظنا على حقيقة جديدة، هي حقيقة الانطلاق في رحاب مناخ الألوان الشرق أوسطية، التي تفسح المجال في اختيار حركة نورانية شرقية، لها تأثيرات سحرية ومباشرة على تكوين اللوحة.
واللافت أن اكثرية التجارب التشكيلية الشابة، قد وقعت في المأزق ذاته، حين اتجهت لإحياء التقنيات، التي عرفتها المحترفات الأوروبية, حتى أننا أصبحنا أمام أزمة فعلية ومتفاقمة، لأن أعمال أكثرية الشباب والشابات تراوح معطياتها، مع قشور التقنيات الحديثة، التي تمنحها محاولات الاختبار والتجريب ومعطيات الصدفة.
فالحداثة لا تعني, مجرد وضع لمسات وحركات لونية بطريقة عشوائية، وانما تعني تحقيق عناصر السحر والدهشة في الرسم والتلوين، حتى يصل العمل الفني, إلى درجة من الحيوية والإتقان والإقناع.
facebook.com adib.makhzoum
أديب مخزوم
رؤية
التاريخ: الأحد 14-10-2018
الرقم: 16810