درجَ أصحاب الفكر على ترديد مقولة إن الصيف والشتاء لا يجتمعان تحت سقف واحد، وهو قول يستحيل مخالفته إلا بإسقاط كل منهما على صورة معينة، ليكون النتاج مشهداً عجائبياً
لا يمكن فك طلاسمه لغير المختصين برسمه أصلاً.
أواخر الصيف هو الزيتون وزيته، والشتاء هو الحمضيات بتنوع أصنافها، وكلاهما من أرض واحدة، وكلاهما شبعا من جهد وعرق وما ربط الفلاح على بطنه من حجر بديل عن الأكل الذي (استثمر) ثمنه بتكاليف العناية بكليهما، ليجتمع بذلك الصيف والشتاء تحت سقف ذلك الفلاح.
الحمضيات تُرمى ويتصوّر المعنيون أمام شاحنات نقلها لتوزع مجاناً على إخوة التراب، ومعمل عصائرها المزعوم مؤجل إلى حين التئام شمل لجنته (بالسلامة) على طاولة واحدة، أما زيت الزيتون فنتاج ذات الأرض وذات الفلاح ولكنه مفقود ومرتفع السعر، والفلاح نفسه يذرف الدموع فرحاً بكرم السماء وفلاسفة الروزنامة الزراعية إن أمّن بضع غالونات مؤونة سنته.
آلاف الدونمات من أفضل الأراضي الزراعية في سورية كلها، تُزرع حتى اليوم بالحمضيات بعد صراخ أحد جهابذة الزراعة (وجدتها.. وجدتها)، ليتم عزوف الفلاحين عن الزيتون، والاتجاه صوب الحمضيات التي ستقلب حياة الفلاح من الفقر أو الكفاية إلى اليسر أو الغنى.. ولغاية اليوم يراهن الفلاح على لقمته ويستمر في الحمضيات حاصداً الخسارة تلو الخسارة، في وقت يندر فيه ليتر زيت الزيتون ويرتفع سعره عاماً تلو العام لقلة الإنتاج.. فمن يتحمل المسؤولية..!!
إن كانت الخطة لم تصب (بالافتراض جدلاً أنها كانت تحتمل الصواب) فمن المنطق الأخلاقي التراجع عنها ونصح المزارعين بالعودة للزيتون، وإن لم ينتبه لذلك أحد فسنوات ثمان من قلة الزيت طبّلت وزمّرت بنواقيس الخطر دون جدوى، لتكون النتيجة الحالية براءة اختراع في كيفية تدمير حياة الفلاح و(بالمعية) محصول كان يمكن أن يكون استراتيجياً.
على خلاف وفرة الحمضيات، تجد وفرة زيت الزيتون مئات الأسواق العالمية لاستيراده وفوقه (بوسة يد)، وهو ما فعلته تونس واليونان وسواها محققة عوائد اقتصادية باتت رقماً يُحتسب في إيراداتها..!!
إن لم يكن الأمر خطيراً كما نتوهّم، فلماذا لا نجرّب زراعة القطن في حمص والحمضيات في دير الزور، ولا مانع من تشكيلة فواكه استوائية في برودة جبال ريف دمشق..
غينيس بانتظاركم فلا تهملوها.
مازن جلال خيربك
التاريخ: الأحد 14-10-2018
الرقم: 16810