ثورة أون لاين -بقلم رئيس التحرير عـــلي قــاســـــــم : يرمي الصقيع العربي جمراته الأولى أينما حل، فيسود اليباس في الشكل فيما تزدحم في داخله الأعاصير المفخخة التي ما برحت تبكي زمناً عربياً مكفهراً يحاكي في فصوله المتعددة أقصى درجات البؤس التي تتجاوز قدرة العقل على تخيلها .
من مصر إلى تونس مروراً بليبيا واليمن لا تختلف الصورة إلا في تفاصيل العبور العاصف، حيث يمعن هذا الصقيع في رسم السيناريوهات الأخطر التي تواصل طواحينها الدوران على طحين لم يأت أبداً، ولا يبدو أنه سيأتي، لأنه لو أرادت أن تمطر حرية وديمقراطية لكانت قد غيّمت على الأقل ببعض ما رفعته من شعارات.
ما جرى في تونس بالأمس وقبله وما سيليه، كان يختصر المشهد رغم صعوبة الاختصار، وما يجري في مصر وبينهما كانت القمة الإسلامية توجز ما غاب عن الاثنين معاً، وما تعاني منه ليبيا واليمن يكثف ما تبقى، فيما المتباكون على الحرية والديمقراطية اليوم يكابرون في الإقرار، بأن كل ما يشهده العالم العربي وجواره نتاج هذا التلاقح غير المعلن بين الإخوانية والغرب على قاعدة أن «أبغض الحلال» لا مكان له في عالم تتقاطع فيه المصالح على وهن الشعوب وتدويل مفاصل القرار فيها حين تبحث عن مقاسات تناسب الزمن الذي ولدت فيه، وتتوافق مع الأطماع التي تعمل عليها.
الفارق أن الوضع العربي بكل ما فيه من بقع داكنة، يحاول أن يقول ما عجز عن قوله، وربما عن توضيحه حين كانت أصواته تجير لموضع آخر، ولمكان آخر لا يريد أحد أن يسمعه، لكن ثمة من يريد أن يستجره من جديد إلى حيث يغرق أكثر في التفاصيل الدموية، وفي محاكاة العجز الذي ينتصب أمام عينيه، والسارقون هم ذاتهم الذين يلوّحون بالساطور والنار لكل من يختلف معهم.
على المقلب الآخر كان الصراع يأخذ موضعاً مختلفاً ويرسم على الأرض معايير جديدة تنطلق من بديهيات الفعل التي تريد أن تبارك للإخوانية العربية ما حققته، حيث يتسابق وزير الحرب الأميركي ورئيس أركانه للاعتراف بتأييد تسليح الإرهابيين في سورية، رغم أن البيت الأبيض لم يتأخر فيما يشبه الرد، بأن أدواته في المنطقة من مشيخات الخليج إلى أباطرة العثمنة يوفرون ما يكفي من سلاح للإرهابيين، في محاولة يائسة للتغطية على «المايسترو» الأميركي في إدارة «أوركسترا» التسليح !!
قد لا تكفي القصة لاختصارها بهذا التكثيف الشديد لكن عندما ترتبط بما يجري من تقاطعات، تصبح شرحاً إضافياً للكثير من المفردات الغائبة التي اختفت تقريباً عن سطح الاستخدام في توصيف الأحداث، وخصوصاً ما يتعلق منها بهذا الانهدام الكبير الذي يمارس سطوته على العقول، كما يمارس نفوذه في استقطاب المشهد ليكون بلون واحد واتجاه واحد.
والمعضلة ليست في الغياب فحسب، بل في عدم قراءة الكثير مما هو متوافر ومتاح، وغياب المراجعات التي قد تفسر جزءاً من تلك الأعاصير الغربية المختبئة في عباءة « الردّة » التي يتحفنا بها الصقيع العربي كلما سنحت الفرصة أو اقترب من محطة جديدة ليقدم نفسه كأداة من أدوات تلك الهمجية التي يريدونها أن تستوطن فينا ما استطاعت.
لم تكن أميركا بحاجة إلى أن يتسابق بانيتا وديمبسي أو يتوافقا في الإقرار بتسليح الإرهابيين في وقت ينحو العالم كله باتجاه الحديث عن الحوار كطريق للحل، لكنها واحدة من الأوراق المخبأة للحظة تحين ساعة استخدامها، بعدما بدت العواصف في بلدان ربيعها، مغايرة لاتجاه الريح الأميركية أو مناقضة لأشرعة السخاء في خدمة الأطماع الأميركية والغربية عموماً، وحماية العدوانية الإسرائيلية كشرط ، من غير المسموح التساهل فيه.
a.ka667@yahoo.com