ميراث الأحزان

كلما ضاقت بي سبل هذا الفضاء على اتساعه، ألوذ بما قاله الراحل شاكر مصطفى في كتابه المهم جداً: حضارة الطين، إذ قال : لقد جعل منا العلم أنصاف آلهة قبل أن نستحق أن نكون بشراً، كان هذا قبل نصف قرن ونيف، حين لم يكن الوحش الرقمي قد بدأ غزوه وابتلاعنا ونحن فرحون، قبل أن نغترب ونسافر وراء الوهم، قبل أن نترك الأرض الطيبة ونغادرها إلى جدران ضيقة من الأسمنت والثرثرة واللغو وحبك المؤامرات هنا وهناك .

آلهة تدمر، تفتك، تقتل، تغزو، تعربد، لا تترك موبقات إلا وهي على قائمة الفعل لا الانتظار، مساحات الكون تضيق بنا، على الرغم من اتساع الكشف الهائل، واللافت في الأمر أنه كلما استطاع العلم سبر أغوار الكون، ضاقت بنا هذه البقعة الجغرافية المسماة ( الكرة الأرضية ).‏

يوم كانت تغزونا الأحزان، نهرب بكل ما لدينا إلى الطبيعة، إلى الوديان، إلى جرف من صخر، نصرخ ، ترد الوديان الصدى، لا تترك أصواتنا في مهب الصمت الرهيب، وكم يفرحنا ما كان يقال لنا من أن نكون على حذر حين نعبر السواقي، كونوا على حذر، انتبهوا قد يسمعكم الجان المتربص بكم، ربما يقلد أصوات أحبائكم، يستدرجكم، ولا تعرفون المصير، ولكننا كنا نتحدى الخوف، نصرخ ملء الحناجر، فلا صدى في السواقي، نعبرها ونعيد الصراخ، فيعود الصدى قوياً، ونسأل: كيف لا نسمع الصدى ونحن في قلب السواقي ..؟‏

لغز طال انتظارنا لاكتشافه، سر رهيب، منذ أن بدأت لغة الحرف والنق، والكتابة وانغماس حبرنا بهموم الحياة، كان الجواب يتكون رويداً رويداً، لكنه الآن صار كلّاً مكتملاً، حقيقة واقعة، نعرفه، الصوت في السواقي التي تعبرها لن يعيد صداه، تبتلعك ، تأكلك، تأخذك إلى كهوفها، تجعلك مجرد حصاة، أهي حال الحكومات، أهي كحال الجهات التي تبتلعك وهي تظن أنها الوصية عليك، ومن باب من الحب ما قتل ..؟‏

في هذه الحرب المجنونة علينا من سبع سنوات، دمروا الحجر والشجر وكل المعالم، وهذا ليس بالأمر الصعب تعويضه على الرغم من الحزن عليه، لكن الحزن على الدمار الأعم والأشمل، دمار الإنسان، تدمير قدرته على الانتباه والأخذ بشيء من الواقع، الصمم المقصود الذي أصاب الكثيرين ممن يهمهم الأمر ..‏

حزن يتراكم، ميراث الضغط يتفاقم، يعبر الكثيرون عنه بكلمات، عبارات، في هذا العالم الأزرق، لكنهم كادوا يصلون إلى التخمة منه، ولابد من متنفس آخر، ومن يهمهم الأمر كأنهم يعبرون الساقية لقرون، انتبهوا أيها السادة، المرحلة الآن هي الأكثر خطورة، هي التي تحتاج أن نكون ليس رجع صدى بل صوتاً وفعلاً، وحياة، تضيق فسحات التنفيس، تكاد تنفجر، لا يغرنكم الكثير مما تعيدونه ألف مرة على وسائل الإعلام، لا بد من فعل يوازي النصر الذي حققه جيشنا، ولكن أرجو أن تجيبوا بصراحة : ألا ترون الحزن المعشوشب في القلوب، تكاد ملاحمه تنطق من على الجباه، إن كنتم لا ترون، فالويل لنا، وإن كنتم ترون، لن نسأل : ما أنتم فاعلون، ها نحن ننتظر، والأيام بيننا ..‏

معاً على الطريق
ديب علي حسن

التاريخ: الجمعة 26-10-2018
رقم العدد: 16820

آخر الأخبار
معرض الكتاب " اكسترا ميديا " يتصدّر كليّة الإعلام بمشاركة 740 شركة... "بيلدكس" يعزز فرص التعاون في قطاع الإعمار تعزيز التعاون التربوي بين سوريا و"الألكسو" إعادة الإعمار بوابة التنمية لسوريا الجديدة.. باحث اقتصادي لـ"الثورة": تحولات اقتصادية قادمة فرنسا تُعلن تضامنها مع "الخوذ البيضاء" وتؤكد استمرار دعمها للمدنيين السوريين تعثر سدادها يهدد سيولة المصارف وتجميد القروض.. ديون المُسرَّحين.. بين مطرقة البنوك وسندان البطالة دمشق وأنقرة.. حرص مشترك على تعزيز التعاون وترسيخ الاستقرار من إدلب إلى دمشق غيث حمور شعرت أنّني أوقّع على جسدي لا على الورق ضمن خطتها لإعادة الهيكلة.. الداخلية تُعلن أسماء قادة الأمن الداخلي الجدد في المحافظات 64 عائلة سورية تبدأ بالعودة من مخيم "مريجيب الفهود" بالأردن فوهات مطرية بإطارات مطاطية في اللاذقية معالجة ازدحام تقاطع جديدة الفضل والبلد الدروس الخاصة ..ضرورة ذو حدين  أساتذة النخب الأول.. في الصدارة الدروس الخصوصية والمكثفات ..تجارة رابحة وكابوس على الأهالي  الهلال الأحمر بالقنيطرة يدعم مصابي الألغام تراخيص مؤقتة لألعاب العيد في دمشق تدشين محطة ضخ تفريعة جديتي للمياه في طرطوس منحة زراعية لقرى بحمص مصادر في القنيطرة لـ" الثورة": لا صحة لسيطرة قوات الاحتلال على مبنى المحافظة مبقرة "فديو" .. إنتاج وفير وصعوبات بالجملة