تشكل البيروقراطية الإدارية أحد أهم معوقات عملية التنمية سواء على الصعيد الاقتصادي الحكومي أو على صعيد المبادرات الفردية أو الاستثمار الخاص، ولعل أحد أهم أسباب هروب الرأسمال الخاص وبحثه عن مطارح استثمارية خارجية هو الآليات البيروقراطية والتراتبية الإدارية النمطية للمؤسسات الحكومية المعنية بعملية الاستثمار والأكثر من ذلك تشكل تلك العوائق حاجز صد أمام أصحاب المبادرات الفردية، حيث يحجم المثير منهم عن طرق أبواب الاستثمار وهنا يصبح البحث عن فعالية استثمارية كالدوران في حلقة مفرغة تعيد نهاياتها إلى بداياتها.
إن ضعف المناخ الاستثماري يعود في قسم كبير منه إلى الآليات التي تحكم وتنظم قواعده والنظرة إلى فكرة الاستثمار وإدارة القطاعات الاقتصادية من منظور أيديولوجي بعيداً عن منظور الكفاءة والفائدة المتحققة من العملية الاقتصادية وانعكاسها على مستويات الدخلين العام والفردي وطريقة التعاطي معها، وهذا يعود أساساً إلى القواعد والتشريعات الناظمة للعملية بمجملها وأسلوب التعاطي معها و القائمين على تنفيذها وثقافة تعاملهم مع روحها ومضامينها، ومن هنا تأتي أهمية كفاءة الجهاز الإداري التنفيذي المشرف على عمليات الاستثمار في جميع المراحل التي تمر بها هذه العملية غير المعقدة من حيث المبدأ
إن أية عملية إنتاجية سواء كانت اقتصادية المحتوى أو الهدف لا تتحرك في فراغ، فثمة مناخات تشكل فضاء نشاطها تنطلق أساساً من توفر الإمكانات المادية والبشرية الضرورية حيث تشكل الإرهاصات الأولية لها مروراً بالبيئة الاستثمارية والأثر القانوني الذي ينظمها ويؤطرها ويشكل إلى درجة كبيرة إطار حماية وطمأنينة لها، والأهم من ذلك الثقافة الاقتصادية السائدة على مستوى المؤسسات أولاً ومن ثم على مستوى الثقافة الاجتماعية، أخذاً في الاعتبار الحرية الاقتصادية ومستوى دوران حركة رأس المال وفق الديناميتات الاقتصادية السائدة.
إن الفكرة الاقتصادية تقوم أساساً على الاستثمار الأمثل للطاقات والثروات المتاحة ودرجة الكفاءة في إدارتها إضافة إلى القدرة على جذب الاستثمارات وتوظيفها بما يعزز الناتج المحلي الإجمالي وانعكاسه على الدخل العام ومستوى توزع ذلك الناتج على أفراد المجتمع وتموضع ذلك في الإطار القطاعي، وهذه مسالة هامة تقع مسؤوليتها بشكل أساسي على صاحب القرار الاقتصادي وقدرته على خلق توازن إيجابي، بحيث تنعكس الزيادة الحاصلة في الناتج المحلي الإجمالي على المجمل الكلي دونما افتئات على أصحاب رأس المال المنتج، الذي يفترض أن تشكل الزيادة الحاصلة والربح المتحقق فرصة لتوسيع دائرة النشاط الاقتصادي، وبالتالي استقطاب المزيد من فرص العمل والمساهمة الجادة في تراجع نسب البطالة ولاسيما في صفوف الشباب حملة الشهادات والكفاءات العلمية وأصحاب المهارات.
إن اطلاق العنان للقطاعات الاقتصادية بمختلف تشكيلاتها وتسمياتها سواء كانت عامة أو خاصة أو مشتركة يؤدي بالنتيجة إلى محصلة إيجابية، حين يحسن استثمارها وإدارتها بطريقة ناجعة وكذلك الثقة بها، إضافة لعقل اقتصادي منفتح يسعى لتحقيق ربحين اقتصادي واجتماعي انطلاقاً من حقيقة أن التنمية والازدهار والرفاه الاجتماعي والتنمية المستدامة هي عناوين يجري الاشتغال عليها والدفع باتجاه تحقيقها، بغض النظر عن الفكرة أو الفلسفة التي تشكل الراشدة السياسية لصاحب القرار، مادام الهدف هو تحقيق المصالح العليا للمجتمع وتحسين الوضع المعيشي للمواطنين ومستوى الخدمات العامة التي تعتبر أساسية في الدور الوظيفي للدولة انطلاقاً من قاعدة أن المرفق العام ملكية جماعية وخدمة عامة وليس امتيازاً.
د.خلف علي المفتاح
khalaf.almuftah@gmail.com
التاريخ: الأثنين 3-12-2018
رقم العدد : 16851
السابق
التالي