سلسلة من ردود الفعل أعقبت القرار الفرنسي الأخير بالبقاء في سورية كونه يأتي في إطار المحاولات الفرنسية لإعادة الاعتبار الى الدور الفرنسي على الساحة الدولية بعد أن كانت باريس الأقرب إلى واشنطن في سياساتها واستراتيجياتها ليس حيال المنطقة فحسب بل حيال العالم بأسره أيضاً.
كثيرون قرؤوا هذا القرار بأنه بداية تحول في السياسة الفرنسية نحو الضفة الأخرى سواء أكان ذلك بهدف العودة إلى الساحة الدولية من بوابة الاندحار الأميركي على الأرض، أو كان ذلك بهدف الاستثمار في الهوامش والفراغات بغية ملء الجعبة الفرنسية التي بدت فارغة جدا من أي مكتسبات أمام الوحش الأميركي على الأرض. ولطالما كانت فرنسا تركب القارب الأميركي في كل المحطات الفاصلة في الحرب على سورية و لذلك دلالة واضحة على التناغم الكبير مع الولايات المتحدة الأميركية التي كانت حتى ما قبل قرار الانسحاب الأميركي تجهد بشتى السبل لتغيير الواقع المرتسم على الأرض بمعادلاته وقواعده التي غيرت وجه المشهد الدولي برمته، أو على الأقل العبث بهذا الواقع بغية الحفاظ على حالة الفوضى الراهنة التي تمكنها من إعادة إنتاج مشروعها وأدواتها بما يضمن لها استكمال مخططاتها ومشاريعها التقسيمية والاحتلالية المعدة لسورية خصوصاً والمنطقة عموماً.
بغض النظر عن الانزياحات المرتقبة التي بدأت تلوح في المستقبل القريب فإن ثمة مجموعة من الحقائق باتت تضيء سماء المشهد بشكل طاغ وآسر للكثير من الأطراف سواء تلك المتثائبة منها أو تلك التي لا تزال تهرول خلف الوهم والسراب، حقائق أضحت تسيطر على مفاتيح المشهد بشكل كلي الى درجة انها باتت تشكل علامات استرشاد لكل الضَالين والمُضللين وعناوين ثابتة ومهمة لكل الذين يريدون الخلاص من واقعهم، والأكثر أن هذه الحقائق باتت تضبط حركة الأحداث والتطورات سواء السياسية منها أو العسكرية، وتمسك بزمام الأمور وحركة التغيرات المرحلية والمستقبلية، وصولا الى الجزم بأن كل ما سوف يرى النور خلال المرحلة القادمة من قرارات واتفاقات وتقلبات في المواقف والسياسات والأمزجة هو نتاج طبيعي لتلك الحقائق التي سوف تشكل ضاغطا إضافيا على كل الداعمين للإرهاب.
أهم تلك الحقائق وأبرزها ترتبط بتشكل قناعة دولية بسقوط مرحلة الرهان على الإرهاب والتعويل عليه للعبث بتلك المعادلات والقواعد التي صاغتها دمشق وحلفائها بالدماء والشهداء، وهذه قناعة أضحت حقيقة ساطعة وملموسة على الأرض عكستها الحال والمآل التي وصلت إليها التنظيمات الإرهابية في الميدان التي اجتاحتها التصدعات والانهيارات والخلافات والصراعات المتدحرجة نتيجة جفاف المصادر والينابيع المغذية لتلك التنظيمات مع تخلي الكثير من الأطراف الداعمة لها سواء بشكل علني وصريح أو بشكل سري وغير مباشر خشية افتضاح وانكشاف العلاقة والترابط معها، خصوصا بعد القرار الأميركي المفاجئ بالانسحاب من سورية.
هذا بالإضافة الى جملة من الحقائق التي تعزز الواقع الحالي وتدعمه كظهور تحالفات ومحاور جديدة مرشحة للزيادة والتمدد خلال المرحلة المقبلة والتي قد ترسم خطوط وإحداثيات جديدة لخرائط الصراع والعلاقة في المنطقة، وكذلك حقيقة أن العودة الى الوراء باتت مستحيلة، أما الحقيقة التي تشكل محوراً أساسياً لكل الحقائق السابقة فهي في ثبات إستراتيجية الدولة السورية ومحور الدفاع عنها، إستراتيجية مواصلة الحرب على الإرهاب والقضاء عليه ودحره من كامل الجغرافيا السورية دون الالتفات الى أحد وبعيداً عن صخب وضجيج وغبار التصريحات والانزياحات رغم أهميتها على قاعدة ان القضاء على الإرهاب هو حماية لسورية والمنطقة والعالم وهو هزيمة للمشروع الأميركي وصفعة لكل الحالمين والواهمين بالعودة الى المنطقة خلف ذرائع ومبررات واهية ومجهضة سلفاً.
التاريخ: الجمعة 4-1-2019
الرقم: 16876