الجعبة الأميركية المتخمة بالسيناريوهات الإرهابية لا تخلو أبدا من المخططات العدوانية، حيث لا يمكن لواشنطن التخلي عن عقلية الغطرسة والهيمنة، ولا عن أدواتها الإرهابية، ، لذلك نراها تراوغ اليوم بقرار انسحاب قواتها المحتلة، وتضعه في خانة المبازرات والمساومات مجددا، فمنذ إعلان ترامب قبل حوالي الثلاثة أسابيع قرار الانسحاب المزعوم، لا يمر يوم إلا وتتناقض تصريحات مسؤولي الإدارة الأميركية بهذا الشأن، من انسحاب سريع، إلى المغادرة البطيئة، ثم التهرب من تحديد التاريخ أو التوقيت الزمني، ليعقب ذلك حديث حول الاحتفاظ بجزء من تلك القوات في التنف، إلى التأكيد بأن الإستراتيجية الأميركية لم تتغير قيد أنملة، وأن الانسحاب المزعوم ليس سوى تغيير تكتيكي فقط !.
إذن.. أركان إدارة ترامب من المحافظين الجدد يتناوبون على إعادة تدوير زوايا الانسحاب وفقا لهدف عدواني واحد، لا سيما وأن تصريحات أولئك المسؤولين تقتصر على صياغات مبهمة وملتوية، وحديثهم الدائم عن الانتقال إلى مرحلة جديدة من محاربة الإرهاب يشوبه الكثير من الغموض، وهذا يفسر ما قاله وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي يحشد لاستراتيجية بلاده الجديدة اليوم، بأن الأهداف التي وضعتها إدارته على مدار الأشهر الـ24 من عملها هي نفس الأهداف السابقة، وغني عن القول أن تلك الأهداف والأجندات كانت على الدوام دعم الإرهاب، وتمكين داعش من التمدد والبقاء لاستثمار جرائمه على طاولات الحل السياسي.
مجريات الأحداث تشير إلى أن أميركا لم تهضم بعد فكرة هزيمة مشروعها التخريبي، وتسعى لإعادة ترميم ذاك المشروع بتوكيل المهمة لأدواتها، للحد من تداعيات الهزيمة وحفظ ماء الوجه.. وأردوغان أحد أبرز تلك الأدوات سارع لاستكمال مهمة مواصلة دعم الإرهاب، وعينه اليوم على تسليم القواعد الأميركية بعد الانسحاب المزعوم لعناصره الإرهابية، ليتسنى لقواته الغازية التمدد إلى جانب داعش في شرق الفرات، وأطلق العنان لإرهابيي النصرة للاستحواذ على كامل المنطقة المتفق عليها ضمن اتفاق سوتشي، حتى على حساب التنظيمات الإرهابية المحسوبة على نظامه، باعتباره الضامن الرئيسي لكل إرهابي لا يزال موجودا اليوم على الأراضي السورية، وتمكين إرهابيي النصرة من الاستيلاء على ادلب وكامل المناطق المشمولة بالاتفاق يعفيه لاحقا من مسؤولية الالتزام بتعهداته بذريعة أنهم خارج نطاق سيطرته، ما يعني تعويم إرهابيي التنظيم كمحمية أميركية وتركية وغربية، قبل العمل على محاولة تثبيتهم في خانة مسمى «المعارضة».
رعاة الإرهاب لا زالوا يتوهمون أن باستطاعتهم تحقيق أهدافهم بتغيير سيناريوهاتهم ومخططاتهم، ليبقى مرتزقتهم أوراقا تفاوضية، ولكن حساباتهم لن تنطبق أبدا على البيدر السوري، فانجازات الجيش العربي السوري تكتب الفصول الأخيرة، ومنظومة العدوان بدأت تسلم بهذا الواقع.
ناصر منذر
التاريخ: الأربعاء 9-1-2019
رقم العدد : 16880