ثورة أون لاين – ديب علي حسن
هذا ما جناه أبي علي.. أتراه كان يجب أن يقول: وهذا ما سيجنيه السفهاء من قومي عليّ.. أبو العلاء المعريّ.. مالئ الدنيا وشاغل الناس ، نعم يسمح أبو الطيب المتنبي إن نقلناها إلى المعري الذي قال ذات يوم في محضر أدبي مهم: لو لم يكن للمتنبي غير قوله: لك يا منازل في القلوب منازل.. أقفرت أنت وهنّ منك أواهل../لكفاه فخراً.
أبو العلاء رهين المحابس الثلاثة ، يوم يتم اغتياله من جديد وللمرة الأولى في تاريخ السفاهة والعنجهية العربية القادمة من أعماق الظلام والجهل والقفر، أبو العلاء تحت سواطير الظلامين، نعم المعرّة محجة الأدباء والمبدعين إلى حيث ضريح أبي العلاء، الآن ترزح تحت وباء الفكر الحاقد.
تمثال أبي العلاء ينفذ فيه حكم (النصرة) بقطع الرأس.. نعم انتقام من حجر، من تمثال، يقطع الرأس والحجة أنه كان زنديقاً كافراً، مارقاً، ومن يحكم عليه.. صبية معتوهون ، وأشباه الأميين الذين لم يعرفوا حرفاً أبجدياً واحداً خلال حياتهم، لم يدخلوا المدرسة إلا ليهربوا منها إلى مقابر الفكر، ومدارس الحقد والظلامية.
أشباه الرجال يمدونهم بالمال والسلاح والفكر العفن له أدواته ووسائل نشره ، وعلى الأرض ندفع نحن بناة الحضارة الثمن الذي لا يمكن أن يحتمله أحد غير السوريين.. ويبدو أنه بقدر ما قدم السوريون للحضارة من عطاء وإنسانية ونقاء، عليهم أن يدفعوا الثمن، من قبل ألف عام ونيف كان سيف الدولة الحمداني يذود عن الأمة ويسد الثغور، يدفع عن الأمة غزوات الروم، وصال معه المتنبي وأبو فراس والأصفهاني وكانت حلب الحاضرة التي حمت الأمة وجوداً وفكراً واليوم ينتقمون من حلب، العالم المتوحش يثأر من حلب.. أتظنون أن أردوغان وطغمته يريدون تدمير حلب وسورية لأنهم ينسون التاريخ، لا إنهم ينتقمون من حلب سيف الدولة ومن حلب الكواكبي ومن حلب درة الشرق وأروع اللآلئ في طريق الحرير، يريدون اغتيال حلب رمزاً لسورية وحلب التي آوت من فر إليها من جحيم مجازر الأتراك بحق جيرانهم.
أبو العلاء المعري المبدع الذي رأى ما لم يره المبصرون وقدم ما لم يقدمه أحد من المبدعين قبله، رسالة الغفران، وسقط الزند وغير ذلك كثير.. اليوم يحاكم من قبل الجهلة واللصوص وقطاع الطرق.. ترى ما الذي قادهم إلى ذلك كيف لهم أن يفعلوا ما فعلوه برمز إنساني عالمي لو كان في غير الأدب العربي لجعلوا ابداعه مقرراً في الجامعات والمعاهد العالمية كلها.
هل يتذكر الأعراب والجهلة كيف تحتفي الأمم بمبدعيها، كيف تنحني وأنت تدخل ضريح أي أديب في الغرب والشرق..؟!
هل يتذكر السادة المسؤولون الثقافيون كيف يحتفي العالم المتحضر وليس لديه وزارات ثقافة بمبدعيه بالإصدارات والمهرجانات والندوات، ونحن نائمون، تائهون، نتفرج على ما يحل بإرثنا الثقافي والتاريخي.. ما الذي يجب أن تفعله وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب رداً على ما جرى ويجري.. هل نصدر بيانات الشجب والإدانة وكفى الله المؤمنين شر القتال؟!
هل تبادر وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب إلى إقامة ندوات سريعة للإشارة إلى هذه الجرائم ليعلنوا عن نشاطات وبرامج في كل مكان ليتواصلوا مع المنظمات والمؤسسات الثقافية والإعلامية المحلية والعربية والعالمية. أبو العلاء المعري ليس بائع بطيخ ولا متسولاً.. لو كان مديراً عاماً لهيئة ما.. لوجد من يدافع عنه ويملأ المنابر الإعلامية صخباً وضجيجاً من أجله.
أيها السادة المسؤولون: ذات يوم وقبل عقود من الزمن أقيم مهرجان ذو شأن كبير احتفاء بالمعري وتوافد الأدباء والمبدعون من أقطار الوطن كافة وكان الحدث الأضخم أدبياً وثقافياً ودرج أبناء المعرة والأدباء أن يحيوا ذكرى هذا المهرجان فماذا عنكم أنتم؟ ماذا فعلتم…؟! هل تتذكرون روائع الشعر التي قيلت في هذا المهرجان أنذكركم بشيء من قصيدة البدوي (ايه حكيم الدهر).
– حلي الندي كرامة للراح- عجباً أتسكرنا وأنت الصاحي
– الدهر ملك العبقرية وحدها- لا ملك جبار ولا سفاح
– لا تصلح الدنيا ويصلح أمرها- إلا بفكر كالشعاع صراح.
– أتضيق بالأنثى وحبك لم يضق- بالوحش بين سباسب وبطاح.
يا ظالم التفاح في وجناتها- لو ذقت بعض شمائل التفاح
عطر أحب من المنى وغلالة- بدع فمن وهج ومن أفراح
هي صورة لله جل جلاله- عزت نظائرها على الألواح.
ونذكركم أيضاً بأبيات مما قاله الجواهري في رائعته:
– قف بالمعرة وامسح خدها التربا- واستوح من طوق الدنيا بما وهبا.
– واستوح من طيب الدنيا بحكمته- ومن على جرحها من روحه سكبا
– أجللت فيك من الميزات خالدة- حرية الفكر والحرمان والغضبا
– أبا العلاء وحتى اليوم ما برحت- صناجة الشعر تهدي المترف طربا.
في ذاك المهرجان تقاطر أبناء العروبة ليحتفوا بالمعري بسورية بثقافتها.
اليوم المعري يضام وأدباؤنا، مؤسساتنا الثقافية، صماء، خرساء، صامتة، اليوم المعري وغداً نزار قباني والبدوي و… أتذكرون كيف تهافت العالم لحماية تمثال بوذا في أفغانستان..؟ ونحن اليوم لدينا ألف رمز يضام ويضام.. أين أنتم.. لن يذهب تراث المعري أبداً لأنه خالد وأصيل ولكن لا نريد أن يسجل التاريخ أن المعري قد ضيم في بلد الحضارة وأن الأدباء والمبدعين ماتوا في صمت الخوف والضلالة وأن المؤسسات الثقافية والإعلامية لم تحرك ساكناً لنفعل شيئاً غير الإدانة والكلام ليكن الفعل دليلاً على أننا موجودون، وللمعرة عظمتها وتاريخها فيها مثوى الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز، والمعري وفي الأمة نبض العطاء والابداع.
d.hasan09@gmail.com