محمـــود نقشــــو: المبــدعــون يحــركــون التــاريخ

 

 

«بين الفنّ والتاريخ مسافة وظلال تنبثق من طبيعة عملهما ومن طريقة تداولهما الإنسان كونه مادتهما الأساسيّة والوحيدة في قراءتهما للعالم الذي يتناولانه كلّ بطريقته, وفي حين يعمل الفنّ في جهة الحلم يعمل التاريخ في الجهة المقابلة, وكأنّ محتّماً عليهما العيش هكذا بأقلّ الملامسات وأكثر الحضور…» بهذه الكلمات بدأ محاضرته «بين الفن والتاريخ» الباحث محمود نقشو في رابطة الخريجين الجامعيين بالتعاون مع جمعية العاديات سنورد مقتطفات منها:

يحاول علم التاريخ تسجيل ما حدث من وقائع الزمان وأخبار العباد بدقة وأمانة في تسلسل وتطور وتفرد وتحديد ومنظور تعاقبي دقيق, في حين يلتزم الفّنان بحريته فقط في تناول التاريخ, وإن حريته في تناوله التاريخ تجعله لايلتزم بكل ما جاء به, فهو يحاول أن يُخضع الأحداث لما يريد أن يحققه في عمله, وهو بهذا لا يروي الأحداث التي وقعت كما يفعل المؤرخ, لكنّه يروي الأحداث التي يمكن أن تقع أو كما يجب أن تكون, ولهذا رأى أرسطو أنّ الشعر وهو هنا يقصد الدراما وكذلك بقية الفنون أفضل ما في التاريخ, لأن الشعر يختلف عن التاريخ في أنه يقدم الكلي, في حين أن التاريخ يقدم الجزئيّ.
من جهته التاريخ تسجيل ووصف وتحليل الأحداث التي جرت في الماضي, على أسس علمّية محايدة, للوصول إلى العبرة والحقائق والقواعد التي تساعد على فهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل.
أن يمتلك شعب من شعوب عالمنا الثالث تاريخاً حضارياً كبيراً فذلك يعني في أحيان كثيرة انغماس ذلك الشعب في توهمات كبرى تدفعه لتقديس ذلك التاريخ وشخصياته ورموزه, وتكريسها عبر أساطير بطوليّة فيبتعد عن متطلبات بناء الحاضر ويمضي بهذا التاريخ نحو تطورات خادعة إلى حدّ التورط بالهوس الشوفيني والزهو المرضيّ, ويتعاظم افتتان هذه الشعوب بتاريخها فيصدر رعاتها أحكاماً وفتاوى تحرم المساس برموزها, وتحظر نقده أو مساءلته.
في الوقت الذي تدرك الشعوب السعيدة أن التاريخ ما هو إلّا وقائع يكتنفها الغموض وكثير من التهويل والمبالغات والتناقضات, وتعلم أنّ مدوّنات المؤرّخين تقدّم من وجهة نظر أحاديّة, وأنّ أبطال الماضي يرقدون في سكون المقابر والمتاحف, وتعرف هذه الشعوب أنّ الحراك الإبداعيّ ونشاطات المخيّلة ومجازفة الأفراد في اجتراح الجديد المختلف هو التعبير الأسمى عن نزوع البشر للتقدّم ومشاركتهم في لعبة الحياة ومتطلّباتها لعبور الأزمنة الصعبة.
تتغيّر وظيفة الفنّ وأسباب الاحتياج له بتغيّر العالم وقواعده وأشكال التفاعل فيه, إنّه أبعد المنتجات الإنسانيّة عن الثبات والجمود, فشكل الفنّ ووظيفته في مجتمع طبقيّ يحتدم فيه الصراع يختلف كثيراً عن شكله في مجتمع بدائيّ لم يصل بعد للطبقات, وإن كلّ فنّ هو ابن عصره ونتاج تفاعله مع ظروف ومتغيّرات لا حدود لها مع ذلك, ومع كلّ التباينات والتناقضات بين المجتمعات المختلفة, فإنّ ثمّة حقيقة ثابتة وجوهر أساسيّ خلف الفنّ, تجعل ابن العصر الحديث يتفاعل مع نقوش الإنسان الحجريّ على جدران كهف قديم, أو يتأثّر بمسرحية مضى على كتابتها مئات السنين.
يعتبر الكثير من المؤرّخين أن أصول الفنّ ترجع للسحر والأساطير الأولى, حيث كان أداة للإيحاء والخداع وإيهام البشر بأشياء تسمح بالسيطرة عليهم, ولكنّ هذا الدور أخذ يتراجع ليفسح المجال لأدوار أخرى, تقوم بتنوير الناس والانقلاب على السحر نفسه, فلم يعد ممكناً أن يكون هذا الشكل البسيط انعكاساً للمجتمع الإنسانيّ بتشابك علاقاته وتناقضاته وتعقيداته.
تطوّر الفنّ حتّى وصل إلى أن أصبح يسمح للجمهور بأن يكون جزءاً من العمل, أو ما يسمّيه (رولان بارت) بموت المؤلّف, ولكنّ الفنّ بعد كلّ هذه التطوّرات مازال يحتفظ بقدر من طبيعته الأصيلة وهي السحر التي لا يملك أن يكون فنّاً بغيرها, و يحتاج الإنسان للفن حتّى يفهم العالم ويفهم نفسه, ويهوّن على نفسه القبح.

 

سلوى الديب
التاريخ: الجمعة 18-1-2019
الرقم: 16888

 

 

 

 

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم