«ونفخ في الناي».. مجموعة شعرية تلامس الجرح السوري تطل علينا الشاعرة عبيرسليمان من نافذة الجرح السوري, حاملة هما وطنيا وإنسانيا شفافا, مستعذبة الحزن والحرقة والألم وهي تصور لوحاتها الشعرية وتقدم مشهديات بانورامية تحيط بتفاصيل مانعيشه.
في كل لوحة قطعة حياتية, تدفعك إلى استحضار لقطة, أو لحظة, من محزون الذاكرة, وتستدرجنا إلى أدق التفاصيل, لنغوص دون تفكير.
في قصيدتها سوريات, تتساءل.. تحتج.. ترفض.. عبر ومضات مكثفة, تختزل فيها كل هواجسها فتقول:
أمام مبنى الهجرة والجوازات
شجرة غاردينيا
أزهارها حالت بيني وبين جواز السفر..
ثقوب جديدة في جدران البيت
أماه: لقد صار سقف الوطن غربالا
إن مايشدك في قصيدة (فرط وحدة) قوة التأثير والمشاهد الحسية التي تجعل الصورة المشهدية لقطات أو قطعة, مليئة بالدلالات فتقول:
لفرط وحدتي.. صرت شاعرة
ولفرط الشعر.. خلقت حبيبا يحرسني
من كائنات المجاز الضاربة
ولفرط رجولته
خلق حربا
ولفرط ازدحام حبيبي في الميادين
عدت وحيدة
إن التفاعل بين المتلقي والنص الشعري واشعاره بأنه قد عاش هذا المشهد أو سمع عن تلك اللوحة التي قدمتها الشاعرة أو حتى أن هذه القطعة الحياتية تتحدث عنا..
عن تجربتنا.. آلامنا..أحزاننا.. جماليات منحت القارئ فرصا للتأمل, رغم أنها متوافقة مع مقارنات بين ماض نعشقه, وحاضر أثق كاهلنا وأدمانا.. تقول في قصيدتها «الخطايا الشرسة»
أنا صرير بوابة الذكرى
كل من جرب النسيان يعرفني
عثرة في سبل السماء
لاأوسوس لغيري
ولا يتعثر بي سواي
حزن أمار بالشعر
ذرف أخرس له ملامح لماذا؟
الشاعرة تتألم لواقع حال أمتها, الممزق والمنحدر, إلى أدنى درجات الانحدار في مجالات شتى..
ومانعيشه.. يدمي القلب, تقول في قصيدتها «غرائز تاريخية»:
وماانت بوقورة ياأمتي
إنما لعيب في ساقيك
تطيلين عباءتك.. وأنى مشيت
تتعثرين.. لظلالهم
طبائع الأسماك.. الظل الصغير
يأكله.. الظل الكبير
كل مافي الأمر
أن القطيع يريد تغيير الراعي
لكنه لايريد.. تغيير غريزة القطيع
تتصاعد رؤى الشاعرة تتخبط بين الأمل والحزن, لكن رؤاها تجلببت بحزن شفيف, أعربت عنه في قصيدتها «تشخيص حالتي»:
ليس من العدل أن أكون هنا
فكل مافي الأمر أنني
قتلت شاعرة سعيدة
قلت أسرق روحها لأكتب قصيدة خالية من الحزن
لم أكن أعلم أن تلك الشاعرة مجنونة
وحق السماء.. لم أكن.. أعلم..!
علاء الدين محمد
التاريخ: الجمعة 18-1-2019
الرقم: 16888