رغم تعاطفي الكبير وشدة حبي لشكل من أشكال اللمة والجمع على الحلم والمستحيل في كل بقاع وأرجاء الوطن تجدني أتذكر «دون كيشوت» وأنا أتابع مباريات منتخبنا الوطني في كأس العالم، وبغض النظر عن حزني وانكسار فؤادي كباقي السوريين يستحضرني هذا البطل الملحمي للكاتب الاسباني «سرفانتس» لأجده رغم مرور أكثر من أربعمائة عام بيننا..
فأزمته في عصره وزمانه هي أزمتنا في عصرنا وزماننا.. عدم انسجامنا والتناقضات من حولنا حولت أزمتنا الفردية إلى أزمة مجتمع من حولنا، وكما «دون كيشوت» مازلنا غير قادرين على إيجاد الحل لمشكلاتنا كما لم نستفد من تجاربنا المريرة مع الحياة..نعيش بأحلامنا وأوهامنا.. عقولنا ومقدراتنا الوطنية هائلة، وراضين بالعيش في عصر التحولات بعكس «دون كيشوت» إلا أننا نجد أنفسنا في كل مرة نحارب طواحين الهواء دون جدوى، هنالك من يحبطنا باستمرار ويوقعنا في مأزق الأحلام، ولا يسعنا سوى أن نطلق العنان لمخيلاتنا كتعويض عن تغيير لابدّ من إحداثه..
«دون كيشوت» نقل الرواية إلى مستوى الحياة العادية وخاطب الكاتب من خلاله الإنسان كندّ وصديق ورغم فشله في درء الظلم عن المظلومين إلا أنه حمل سلاحا مدمرا للقيم البالية وأداة للتغيير والإصلاح.. «دون كيشوت» بحسب «سرفانتس» لم يكن مجنونا وإنما ينقصه العقل والتعقّل والفهم السليم للواقع، يقدم حججا وبراهين ولكنه يبدأ بدايات خاطئة..
«دون كيشوت» عذرا.. نحن نرى الواقع ونميز بينه وبين الخيال وكل ما نحتاجه البقاء ضمن دائرة الزمن لا خارجها.. ونكون من ضمن الطاقات البشرية والمادية القادرة على إحداث فعل حقيقي وتطوير للواقع المعاش عبر توظيف المهارات والخبرات العلمية والتقنية في إطار مشروع شمولي بعيد المدى لكافة مناحي الحياة، فالقوة الجديدة قادرة بكل أدواتها على تحريك عجلة التنمية في كل المجالات.. قرون أربعة مرت على «دون كيشوت» ومازلنا نبحث عن أساليب وسبل كفيلة بالنهوض بمجتمعاتنا.. فهل من سبيل يوصلنا إلى غاياتنا وأهدافنا السامية النبيلة.
هناء دويري
التاريخ: الجمعة 18-1-2019
الرقم: 16888