يتابع الكاتب والشاعر محمد منذر زريق اصداراته الموجهة للأطفال واليافعين، من ضمنها ستة إصدارات متوسطة الحجم حملت العناوين التالية: (دوار الهواـ الغلاف للفنان إسماعيل نصرة، والخالة زرقاء الغلاف للفنان أيمن الدقر، وكنعان الغلاف للفنان محمد الركوعي) ولقد تعاون مع رسامة الأطفال سناء قولي في إصدار ثلاثة كتب ملونة وأنيقة في مضمونها ومظهرها وإخراجها (وهي نمولة، والخنفساء الحمراء، والنهر المغرور) وهي تشكل امتداداً لإصدارات أخرى له، من ضمنها (عصفور التين) الحائزة على الجائزة الأولى لأدباء الأطفال في سورية عام 2010 منشورات وزارة الثقافة.
أناقة وطباعة فاخرة
وسوف أركز هنا على الكتب الثلاثة التي جاءت ثمرة تعاون بينه وبين رسامة الأطفال سناء قولي، وحققت حالات الموازنة والمواءمة بين الكلمة المكتوبة واللوحة الموجهة للأطفال، وبرزت فيها ثمرة وخلاصة بحثهما في الكتابة والرسم معاً، حيث تأخذ الرسومات حقها، وهذه المجموعة تميزت بأناقتها وطباعتها الفاخرة, لدرجة ان أغلفتها مطعمة بألوان فوسفورية براقة (وهي صادرة عن دار اليقظة الفكرية – دمشق).
فالرسومات تتبسط مع تقديم النص، وتظهر مساحات لونية صافية، تتضمن الكتابات وتحيط بها، بإيقاعات بصرية رصينة ومختزلة, ومعبرة عن أسلوب خاص في الرسم الموجه للأطفال. فالعناصر المحببة للأطفال، من أشجار وثمار وأزهار وطيور وفراشات تظهر مع العائلة في رسوماتها، وكل ذلك بروح تصويرية فيها دقة صارمة، بعيدة كل البعد عن الانفعال اللوني، ونرى طموحاً لملامسة الصورة التخيلية في مشاهد الطبيعة والبيوت والعائلة والنمل المرسوم على هيئة إنسان.
تبتعد سناء قولي عن المنطق الواقعي، مقابل طموح آخر يؤكد الاستفادة من معطيات اللوحة الطفولية الحديثة, وبالتالي فهي تساهم في تحديث فنون الأطفال، والتعبير من خلالها عن معطيات العصر الذي نعيشه.
تأثيرات البيئة العربية
هكذا نكون قد تكلمنا عن طموحها في الحدود التي تعبر عن النص الذي كتبه محمد منذر زريق، حيث يظهر جهدهما وتمايزهما في خطوات إظهار جماليات العلاقة المتبادلة والمتداخلة بين الرسم والكتابة. ويمكن أن نقول إن أعمالها الموجهة إلى الأطفال قد شهدت خبرة فنية وتقنية مركزة، في استخدام المواد اللونية ومعالجتها، مع الحفاظ على الرموز الفنية والتربوية الحديثة، والاهتمام بمسألة جوهرية، وهي التعامل بدراية، ووضع المساحات اللونية الزاهية والشفافة في الخلفيات.
وهذه المطبوعات الأنيقة تتعامل مع الأطفال بلغتهم، حيث تندمج الجوانب التربوية بالفرح وبالحلم, وتظهر مرونة الرموز التعبيرية الموجهة للأطفال في الكتابة والرسم معاً، فالطفل هو المستقبل والرسومات المرافقة للكلمة تساهم إلى حد بعيد في بناء شخصية الطفل، وغرس مشاعر الخير والمحبة والشجاعة والحس الوطني والإنساني ضد نزعات الشر والعدوان والاحتلال والاقتلاع.
وتساهم كتب محمد منذر زريق في تكوين فسحة الأمل الأكثر نقاءً في عالم الأطفال، الذين قصرنا تجاههم كثيراً في الماضي, وفي تعويض ما فاتهم في المستقبل، بعيداً عن هيمنة المؤسسات التربوية (الراكدة) والاستعانة الآلية بالمناهج الجامدة، وهيمنة تأثير رسوم الكبار التي تسجل نوعاً من الأسر لمخيلة الأطفال، ومواهبهم الخفية، التي تركت أثراً واضحاً على بعض تيارات فنون القرن العشرين، وهنا استعيد عبارة بابلو بيكاسو الخالدة، حين زار معرضاً لرسومات الأطفال وقال: عندما كنت بعمر هؤلاء الأطفال كنت أرسم مثل رفائيل، أما الآن وأنا في التسعين من العمر، أحاول أن أرسم بإحساس هؤلاء الأطفال.. مشيراً إلى مدى الصدق والعفوية والتلقائية التي تزخر بها رسومات الأطفال في مرحلتهم التعبيرية الأولى.
تلخيص وتكثيف
إن التجربة الطويلة التي مارسها محمد منذر زريق في مجال الكتابة المتنوعة، ومن ضمنها الكتابة للأطفال والتي أثمرت هدا العدد من الكتب, أعطته إمكانيات واضحة وقدرة على إيضاح الفكرة بالمختصر المفيد، فهو يلخص الفكرة ويكثفها بنفس الوقت، حتى تصبح قابلة للتحول إلى اللغة الطفولية، وتبقى العناصر المكتوبة والمرسومة بعد ذلك قابلة للعيش مدىً زمنياً طويلاً في أذهان وعقول الأجيال المتعاقبة.
ويمكن أن نذكر شخصيات مثل نمولة وسوى ذلك مما برز في عناوينه المقروءة على أغلفة كتبه، ولاشك في أن الكلام إذا كثر في الرسم يخفف من قدرة العين, على اعتماد الصورة كعلاقة أساسية ورئيسة, وخاصة في الرسوم الموجهة للأطفال، فهو وكما أشرنا يستخدم اللغة المبسطة القريبة من عوالم وأحلام الصغار، ويستعين بإيقاعات شكلية ولونية شاعرية تشكل للأطفال استراحات لابد منها، في أجواء التعب والملل والرتابة، وكل ذلك يجعله ينتمي إلى صياغة فنية وجدانية زاخرة بالحنين والغنائية الإنسانية الطفولية.وثمة تلاقٍ هنا بين المنهج الإيضاحي المخصص لقصة أو حكاية طفولية أو نص طفولي، وبين المنهج التشكيلي,وتصالح لمصلحة النص الطفولي والتشكيلي معاً فالرسم الموجه للأطفال عندما يفرغ من طموحاته الجمالية التشكيلية المتقدمة في الوصول إلى صياغة أسلوبية خاصة, يتحول إلى مهنة أو حرفة تتشابه معطياتها مع معطيات رسومات الآخرين.
ومنذ البداية كان محمد منذر زريق يتميز بأسلوب خاص يعمل على اختصار وتكثيف الدلالة اللغوية الطفولية، والرسم التوضيحي المرفق يفتح أعين الصغار على شاعرية وشفافية داخل المساحات المرسومة بألوان مضيئة وساطعة. إن شفافية وشاعرية المساحات اللونية، والكلمة المنسابة طلاقة وشاعرية وحيوية، تفتح أعين الصغار والكبارعلى مساهماتهما المتواصلة في كشف أسرار عالم الصغار وتعبيراته, لأنها منفذة بحساسية بصرية وروحية, تنقل الحكاية أو القصة أو الكلمة إلى فضاءات رحبة ومفتوحة.
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum
التاريخ: الثلاثاء 22-1-2019
رقم العدد : 16891