اكتشفت السيدة منى، الموجهة في الثانوية المجاورة أن ابنها خرج من المدرسة قبل بداية الدوام، بحجة شراء بعض الطعام، علما أنها كالعادة وضعت له في محفظته ما يحتاجه من سندويشات، وكانت الساعة بلغت الثامنة والنصف وشارفت الحصة الأولى على الانتهاء، عندها سارعت لحمل حقيبته وإرساله إلى البيت بعد الاتصال بزوجها لتخبره بقرارها نقل ابنهما إلى المدرسة الحكومية كنوع من العقاب على سوء تصرفه. وهي التي وافقت على تسجيله في المدرسة الخاصة مع أصدقائه ليس لموقف سلبي ضد المدرسة الحكومية وانما لتشجيعه على الدراسة لأنه سيكون مع أصدقائه المقربين منه.
لست هنا بصدد المقارنة بين المدرسة الخاصة أو الحكومية، وانما لمناقشة خلق الدافع عند الأبناء، أو تدريبهم على تحمل المسؤولية، والاحساس بالشخصية واتخاذ القرار، يلجأ الأهل والمعلمون والمعلمات لأساليب عديدة، لجعل الأبناء يدرسون، ويحصلون مجموع علامات مرتفعاً، ومن تلك الأساليب إما الترغيب و المكافأة، أو التهديد والعقوبة، كما رأينا، في الحالة الأولى وكأننا نقدم رشوة للطالب، إذ لم يعد الإنجاز قيمة في حد ذاته، بل ارتبط بالمكافأة التي سيحصل عليها الطالب أو الطالبة، وفي الحالة الثانية وكأننا نرسخ عداء بين الطالب والتعليم، والسؤال لم لا يهتم الأهل وكذلك النظام التعليمي بالرغبة الداخلية عند الأبناء للتعلم، أي الثقة بقدرة الفرد عموما، والمتعلم بشكل خاص، على ملاءمة خبراته واتخاذ قرارات إيجابية.
لو يلجأ الأهل والمعلمون لمفهوم المسؤولية، والذي يعتمدونه في البيت عندما يطلبون من الأبناء بعض المهمات، كترتيب غرفهم، أو احضار بعض مستلزمات البيت من الدكان القريب، أو غيرها من المهمات التي تناسب أعمارهم، للمسؤولية في تمكين الأفراد من اتخاذ القرارات الإيجابية وتحقيق النجاح، وجاء تعريفها في كتب علم النفس( بأنها القدرة على الوفاء بالحاجات الشخصية دون أن نحرم الآخرين من الوفاء باحتياجاتهم وهي إلى جانب الحرية والاختيار، تشكل جوهر الإنسانية، والمحفز الأساس لاكتساب الفرد سيطرة فاعلة على حياته، وكلما قلَّت أو تراجعت فإن سلوكه يتجه صوب الخطأ).
عندما يعلم الأهل والمدرسة الأبناء على تحمل المسؤولية، فانهم يعلمونهم على مبدأ السيطرة الداخلية، أي أنهم أفراد فاعلون وأن ما يقومون به ينبع من داخلهم وليس مرتبطا بحوافز خارجية أو عقوبة، ومن شأن قبول المتعلم لهذا التصور أن يحسن صحته النفسية، ويعزز قدرته على الانضباط الذاتي.
إن تقوية الروابط التي تجمع الأبوين بالابن والابنة، وكذلك المدرس بالمتعلم هي مفتاح باقي المقومات الأخرى لعلاقة سليمة مع الأبناء في البيت وإدارة سليمة للصف في المدرسة، وحين يتمتع الطرفان بعلاقة جيدة فإن مشاكل الهدر والانضباط تتراجع، تقول المديرة السابقة والموجهة المتقاعدة في مدرسة ابن الأثير في شارع بغداد: كنت متشددة مع الطلاب، لكن غيرت أسلوبي لأن هذا الجيل يحتاج للمزيد من التقرب منه والاستماع إليه، عندما كان يرسل لي الموجه الطلاب المعاقبين، وأطلب منهم بمودة مساعدتي في ترتيب مكتبة المدرسة أو حتى غرفة مكتبي، كانوا يحدثونني عن مشاكلهم الدراسية والعائلية.
نلاحظ مع المديرة أن العلاقات الإيجابية معهم هي الخيار الأمثل لمعرفة سبب تصرفاتهم، وضمان سلوك جيد داخل الصف، فالبيئة التي تُشبع حاجات الطلاب بشكل لائق ينتفي فيها الدافع للعنف.
أثبتت التجربة أن السيطرة الخارجية على المتعلم غير مثمرة، لكن حين يصير مدفوعا بفضل رغبة داخلية فإنه يبذل أقصى جهد، لشعوره بالقوة النابعة من احترام الذات وتقدير المنافسة. فتصبح السيطرة الداخلية هي حافز التعلم عن طريق الدافعية، وتحرير القدرات، وتعويد المتعلم على اتخاذ قرارات مسؤولة وناجحة، فيختار أن يدرس وأن يلتزم بقوانين الصف والمدرسة.
لينا ديوب
التاريخ: الجمعة 25-1-2019
الرقم: 16894