لا أعرف كيف أواظب على عادة قراءة الصحف الورقية اليومية بعيداً عن الانترنت.
ففي ملامسة الورق والحبر الأسود وسماع (طقطقة) الصفحات متعة لا يمكن الحصول عليها من خلال التصفح عبر المواقع الالكترونية المعنية التي تتعب القارئ وتجعله يفقد صبره بسرعة وكأنه على عجلة من أمره أو على موعد سفر سريع.. فمتعة القراءة لا تكتمل كما لو أن الجريدة بين يدي، والعناوين كلها في كفي.. حيث أستحضر الكتّاب والمحررين وأشعر بأني أجلس معهم وأحاورهم فيما يكتبون. لكن المتغيرات التي طالت البلد وطالت الإنسان والعادات وحولتنا دون رغبة منا إلى القراءة الإلكترونية الخفيفة الملخصة حيث أفقدتنا الإصرار على عادة الذهاب إلى المكتبة ولقاء القراء وتبادل الحوارات السريعة معهم.. لدرجة نصبح بعد فترة أصدقاء ويعرف كل منا توجهات الآخر وميوله الأدبية.
على باب المكتبة كنا نتصفح العناوين المعلقة والخطوط العريضة والأخبار المفاجئة التي كانت تثير الدهشة والغرابة وكأننا اكتشفنا شيئاً ليس بمتناول الجميع.
كنا نقرأ معظم الجرائد.. ونسأل عن الجديد من الكتب.. وكنا نحاور صاحب المكتبة الذي يكون في الغالب قارئاً مميزاً ومطلعاً على العناوين الجديدة والأخبار.. فكنا نسأله عن رأيه ببعض الروايات وبعض الكتّاب.. وفي معظم الأحوال كنا نتلقى جواباً مهماً.
اليوم – مع الأسف الشديد – ضاقت مساحة المكتبة، وصارت تحتوي على الأقلام والدفاتر وبعض الصحف المحلية لا أكثر، أي صارت تشبه البقالية وصار صاحب المكتبة مثل السمان، نزلت الصحف عن الواجهة وتكدست فوق بعضها لعدة أيام.. كما أننا نادراً ما نجد الوقت الكافي لزيارة المكتبة.. وحتى إذا ما صممنا على الذهاب إلى المكتبة فإننا نتأفف من المسافات التي ستكلفنا أجرة تاكسي أو السير في الزحمة ومشاكسة السيارات التي تزحم الشارع وتلوث البيئة وهي في معظمها لا تقل أكثر من سائقها، لهذا ننكفئ ونعود إلى الانترنت، هذا إذا ما بقيت الرغبة لتصفح الجرائد التي لم تعد تعطي جديداً، لقد سبقتها مواقع التواصل.. ولم تترك لها شيئاً تدهشنا به أو تفاجئنا من خلاله.. فالأخبار مكررة، والاستطلاعات طويلة ومملة.. والأخبار المتفرقة كلها مأخوذة من الشبكة العنكبوتية.. فماذا نتصفح إذن؟ وعن أي خبر نبحث وقد اصطفت الأخبار والأسرار والصور الصادمة على المواقع كلها، لكن بقي للصحيفة شيئاً واحداً تستطيع أن تجذب القارئ وتمسك به وهو يتم من خلال تمسكها بكاتب مميز، أو بعمود صحفي مختلف، أو بصفحة أدبية مجددة دائماً وعلى تواصل بالإبداع والمبدعين بحيث يبقى ما تنشره الصحيفة لا يحصل عليه القارئ إلا من خلال الجريدة وموقعها الخاص.
إن فترة الحرب على سورية أثرت سلباً على الصحف والدوريات وعلى الكتاب والقارئ أيضاً.. فتقلص سوق الكتاب.. وتوقف أحياناً لدرجة صرنا نظن أننا لا نحتاج إلى الكتابة، ما أدى لأن يضيع القارئ كاتبه وجريدته التي لم تعد تصل بمواعيدها ولم تعد تلبي حاجته المعرفية والثقافية.. وأغلقت الكثير من المكتبات أبوابها وتحولت إلى بقاليات أو ما شابه ذلك.
صحيح أن الجرائد المحلية ما زالت تصدر.. ولكن الكثير من الجرائد والمجلات العربية توقفت ولم يعد هناك هذا الزخم والاندفاع للبحث عن الجريدة المفضلة.. كل الجرائد متشابهة.. كل الأخبار متوحدة، اختفت القصيدة والقصة، لم يعد للأدب حضوره والاحتفاء به، ونحن كقراء لم نعد نغامر ونبحث، مع ذلك قلت لصاحب المكتبة (رجاء أريد جرائدي كل يوم) ولكن ما كنت أذهب كل يوم إلى المكتبة.. لذلك كان يحتفظ بها صاحب المكتبة لأسبوع وربما أكثر حتى أحملها إلى بيتي.. لكن عندما كنت أرى تواريخها وأخبارها (البائتة)، كنت أتصفحها سريعاً ولا أقف عن كثير من العناوين.. ما شكل لي ما يشبه اللوم.. مع ذلك بقيت اشتريها وأنا أعرف أني لن أجد فيها ضالتي، لكن حاولت قدر الإمكان أن تبقى عادة شراء الجريدة قائمة في يومياتي وعاداتي حتى يبقى لنا شيء من لهفة وذكريات ما قبل الانترنت عندما كانت الجريدة هي النافذة على العالم.. فكيف إذا كان الأدب بابها العريض للاطلاع على الأقلام المميزة والمؤثرة في المجتمع؟.
غير أنّ السؤال يخطر بالبال (هل ستتوقف الصحافة الورقية ذات يوم)؟.
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 30-1-2019
رقم العدد : 16897