يتعامل الساسة الأميركيون مع أردوغان بالصيغ نفسها التي يتعاملون بها مع حليفهم الصهيوني نتنياهو، لكونهما رأس الحربة في المشروع الاستعماري. أراد أردوغان عن سبق الإصرار تحويل شعار الصهاينة من الفرات إلى النيل إلى واقع، ولو على حساب شعبه، فثمة ما يدعو إلى القول: إن المشروع اتضح أنه يمتد من نهر مصر إلى النهر الكبير في تركيا، مع مفارقة أن كليهما يبحث بفساده عن مصالحه الشخصية البحتة.
فالربيع العربي المزعوم بشرت به غربان متصهينة، لقتل أكبر عدد من السوريين وتهجير الباقين من دون السفن البرتغالية والبريطانية والفرنسية والإسبانية والهولندية والأميركية التي كانت تنقل المسترقين من الأفارقة عبر المحيط الأطلنطي، ولا أحد ينكر أن تلك الدول كانت تطعم هؤلاء العبيد وربما تقدم لهم رواتب قبل استغلالهم، علاوة على إفراغ سورية ولاحقاً لبنان من أهليهما لمصلحة الصهيوني، الذي يريد الحصول على مشروعه على بساط مريح، وهنا يكمن سر احتضان ألمانيا مثلاً للسوريين.
سورية واجهت آلاف الإرهابيين الأجانب الذين دخلوا عبر تركيا بعلم استخباراتها، ونفذوا الإستراتيجيتين الإسرائيلية والعثمانية، وانضووا في مجموعات إرهابية تقاتل لمصلحة أردوغان، (فرقة السلطان مراد)، (عناصر الحزب التركستاني) الصيني، و(حركة نور الدين زنكي) و(فيلق الشام الإرهابي) الإخواني، ويعتقد أردوغان أنها هي ذراعه للمنطقة الآمنة المزعومة ضد سورية، أو لمهاجمة ميليشيا قسد، وهي التي يشد بها مجلس الأمن القومي التركي أزره في بيانه عن الحفاظ على الوضع الحالي في إدلب واستمرار السيطرة على عفرين وجيب حدودي كبير.
ولا شك أن عناصر جبهة النصرة الإرهابية التي يرعاها أردوغان و(داعش التي يتظاهر بمحاربتها)، قد دخلتا عبر الأراضي التركية.
القرار الأميركي بالانسحاب قد فتح حالة من التعقيد النادر للساسة الأتراك والغربيين، الذين وجدوا أنفسهم في معضلة كبيرة: بين إعادة عناصر داعش إلى الغرب أو تركهم ليقتلوا أو يحاكموا حيث هم، وهنا الطامة عليهم بأن ينكشف أمر المسؤولين الاستخباريين الغربيين والأتراك والخليجيين الذين جندوهم.
وقد أوصت واشنطن بإعادة عناصر داعش إلى أوطانهم بزعم «منع عودتهم إلى ساحة المعركة» وكل دول التحالف الغربي تجد نفسها في معضلة، ستبحث في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في التحالف في 6 شباط القادم في واشنطن، وتعترف جهات فرنسية أن تركيا لم تعد ترغب في إطعام القتلة بالإشارة إلى داعش.
وطبعاً بعد أفول الهيمنة الأميركية، وانتظار ولادة عالم متعدد الأقطاب، على وجه اليقين.
منير الموسى
التاريخ: الجمعة 1-2-2019
الرقم: 16899