أشعر أن الأزمة في البلد أتت على كل شيء.. لم تترك للسوريين أي فسحة للتنفس.. فضاق علينا الهواء والماء والبحر والسماء
ولكن – وفي الأزمات الكبيرة التي تصيب الشعوب عادة – يكون هناك مخارج للنجاة أو وسائل ابتكار جديدة تغير كثيراً من الواقع المفروض.. الذي هو واقع الغابة.. القوي يأكل الضعيف.. الوحش الكاسر يسطو على الحملان الصغيرة.. ولكن أحياناً أرى.. أو أجزم.. أن الحملان راضية أن تبقى في الغابة وأن تركض خائفة أمام الوحوش وأن تقنع وترضى ببعض الظل لتنام فيه بعيداً عن هجير الموت.
الأزمات خانقة.. والوضع صعب.. ولكن لا بد من التفكير بطريقة ما تساعد هذا الشعب المتعب الذي لم يعد لديه طاقة لإكمال درب الصمود..
والصمود.. والجميع يعلم.. يحتاج إلى من يدعمه ويقدره ويحس بقيمته.. ولكن لا أرى ذلك.. ولا يلمس أهل الشهداء والجرحى هذا الدعم.. حتى الكتاب والمثقفون الذين ثبتوا وصمدوا وقاوموا غزاة العقول لم يلتفت أحد إلى دورهم ولا إلى حبرهم المكتوب بالوجع والنار.. والحالة الثقافية أمام الجميع.. مفتوحة وصريحة ويستطيع المطلع أن يتنبه إلى أن هناك تقصيراً واضحاً في المجال الأدبي والثقافي والمعرفي.. فإذا كان هذا التهميش مقصوداً فهو كارثة بالنسبة للبلد ولمستقبل البلد.. وإذا كان غير مقصود فهذا لا يشفع للمسؤولين أبداً لأن الثقافة عنصر مهم جداً من عناصر النضال والمقاومة.. فهل يعقل ألا يوضع في الحسبان دور الكلمة في التغيير وفي التوثيق وفي إيصال الحقائق الغائبة إلى أجيال المستقبل؟
على ماذا يعتمد المسؤول في إيصال الهدف والحقيقة ووجهة نظره إلى المحيط الخارجي والداخلي، وإلى التاريخ الذي سيكتبه الأقوياء وسيزوره السفهاء؟
وما هي ضمانة أن يكتب الذين نهبوا البلد وخانوا البلد وتعاونوا مع الصهيوني وشوهوا الواقع الحقيقي للأزمة في سورية؟
ها نحن نتصدى في اللحظة.. وفي الآن.. لاختراق عقل الشباب وللتزوير العلني الحاصل للأحداث على الأرض.. ومع ذلك يتم التشكيك وعدم الاقتناع بما يسمعه أو يقرؤه بعض السوريين الذين يديرون أذناً للإعلام المعادي والأذن الأخرى باتجاه الإعلام الوطني وإن لم يصل إلى الطموح بحيث يخلّق أو يبتكر البرامج الرؤيوية العظيمة التي تعيد تشكيل الذاكرة والمعلومة المقنعة التي تلعب دوراً مهماً في تثبيت المواقف الوطنية والفكرية التي هي ركن وركيزة للمواجهة والانتصار.
ربما لم تتح الوسيلة أو الأدوات القوية المجابهة حتى الآن بسبب الحصار العالمي على سورية.. ولكن المثقف الوطني متاح.. والجريدة الوطنية متاحة والأقلام الخلاقة المبدعة متاحة.. غير أنه لم يتم حتى الآن استثمارها بالشكل الأفضل.. لا مادياً ولا معنوياً ولا فكرياً.. الكل يّدعي أنه يدرك أهمية الفكر والقلم والمعرفة.. وأهمية الأدب والإبداع.. لأنه باق أكثر من الخطابات الرنانة.. ولأنه سيبقى كوثيقة تاريخية وجمالية للزمن القادم.. وكم من المرات صدقنا رواية كاتب ما أكثر من تصديقنا للتاريخ الذي يدونه مؤرخ منحاز.. وأحياناً نصدق حتى المبدع المنحاز إذا تميز بالأسلوب والفكرة والقدرة على الإقناع.
من هنا لا بد من الالتفات إلى قضيتين مهمتين.
القضية الأولى تكون بالاهتمام بأسر الجرحى والشهداء.. كي لا يصلوا إلى مرحلة القهر واللوم.
والقضية الثانية هي العودة إلى الكلمة وإلى احتضان الإبداع والاهتمام الكبير بما ينجزه المبدع الذي بقي في البلد.. مع ذلك لم يجد من البلد الدعم لتوزيع كتابه وفكره.. وكأن بعض مؤسسات الإبداع صارت مؤسسات خاصة.. ومزارع خاصة..همها الظهور والادعاء مع أن هناك ما يشبه عطالة فكرية وثقافية.
ألم تكن الكلمة في البدء؟؟
أنيسة عبود
التاريخ: الأربعاء 6-2-2019
رقم العدد : 16903