ليس العمل الروائي تهويمات خارج حدود الحياة وعمقها كما يظن الكثيرون, ممن اغرتهم موجة ما سميت بالحداثة الثقافية والابداعية, وتوجهوا نحو تهويمات لا احد يدري إلى أين تقود, لكنها كانت خواء لامعنى له، فكنا نسمع الكثير من الآراء التي تردد انني لم أفهم من هذه الرواية شيئا, ولا اعرف إلى أين تقودنا أحداثها, وكيف تنمو وتشتغل شخصياتها, لذلك كان العمل الروائي الذي ينحو هذا الاتجاه موضع نسيان وإهمال.
سلمى جميل حداد الأستاذة الجامعية والناقدة والشاعرة, تكمل ما تقدم في العمل الروائي الذي تجده أكثر اتساعا وشمولا كما تقول, وهو أكثر قدرة على التعبير عن الحياة, ووصفها آلامها وآمالها, من واقع وصلب ما نراه ونعيشه تستمد نسغ أعمالها, لا من التهويمات التي سادت عند البعض وقادت المشهد الروائي إلى العدم, في واقعيتها وقدرتها تبدو سلمى حداد تعمل على إعادة إحياء الرواية الاجتماعية والانسانية التي تتوجه إلينا كبشر, من خلال الرسالة والهم الذي نعيشه, وهنا جوهر الأدب ورسالة الفن أي فن, هل نذكر من يقرأ ان نجيب محفوظ وحنا مينه وآخرين كثيرين لم يحققوا الشهرة التي ملأت الأصقاع إلا لأنهم كانوا أولاد الحياة, ألم يقل حنا مينه: أنا ابن الفقر والعناء والشقاء, أنا الصوت الإنساني الذي يصرخ بوجه الظلم والاستبداد..
سلمى حداد تلتقط من ألوان حياتنا صفحة تكاد تكون شغلنا الشاغل, حال المرأة التي تشكل نصف المجتمع كما نردد دائما, وهي تقود النصف الآخر, في ثلاث روايات مهمة جدا, نالت الانتشار الكبير وبعضها حقق جوائز, تعمل سلمى حداد بشكل مختلف على نقل معاناة المرأة التي هي أم وأخت وزوجة وحبيبة, لا تنظر ولا تتفلسف في قضايا ليست موضع جدال, بل يأتي صوتها قويا واضحا, جليا, تعمل على اشتغال روائي ينقلنا إلى حيث يجب أن نكون, بلا حذلقات فنية تأسر العمل, وبل استعراض قدرات التنظير.
من سكينة بنت الناطور, إلى: سأشرب قهوتي في البرازيل, ثم الرواية الثالثة التي صدرت نهايات العام الماضي في بيروت وحملت عنوان: اكمليني يا نائلة, في هذه الثلاثية التي تشكل الجانب الروائي من تجربتها الإبداعية وليست كلها, فيها, الهم الإنساني واضح وجلي, وعلى قاعدة ذهبية تقول: ان الادب كان مسؤولا, نعم, كان مسؤولا, فالأعمال الروائية الخالدة التي لاتزال تنبض قراءة وفعلا, بقيت كذلك لانها من الهم الانساني.
أكمليني يا نائلة, تفرد مساحتها للحديث عن حال المرأة التي تبدو عالما كاملا من العمل والعطاء, الجميع يتكىء على ما تقدمه, ما تعمله, روح طافحة بالحب والعطاء, البيت والأسرة كلها تراها عمودا يسندها, لكنهم يبقون في النقطة المظلمة دائما (عانس) ولا أحد يدري لم هذا الجنون الصاخب بهذا الشكل والمعنى..
من الذي أعطى هذه الذكورية طابعا مقدسا هكذا حتى ينقذوا المرأة – كما يظنون كيف يرون أنها لم ولن تكتمل أنوثتها حياتها رسالتها إلا بلصق الرجل بها, وربما هو ميراث الوهم الذي نردده دائما (ظل الرجل) السعي الدائم لذلك, مع أن المرأة الفعل القادر على العطاء الدائم, نائلة تعمل وتقدم وتمضي قدما في مشروعها الانساني, والكل بشكل دائم يردد: اكمليني يانائلة, وكيف لاتكمل نفسها, اليس سؤالا غريبا, سلمى جميل حداد تصرخ في معادلة فنية وروائية وعلى لسان البطلة تنقلنا إلى عمق المجتمع, تعري أمراضنا الاجتماعية, تظهر ضعفنا بكل شيء, نعرف اننا ضعفاء من غير نائلة, ونتكىء على نائلة, ولكن نريد أن نقول لها: لمَ أنت بلا رجل..أليست نقيضة ما بعدها نقيضة أن نعرف اننا الضعفاء نحن وهي القوية, لكننا نريد أن نمارس رياءنا..
ثلاثية المرأة بعناوينها المختلفة تتكامل لتكون رسالة فنية إبداعية لابد من الوقوف عندها مطولا.
دائرة الثقافة
التاريخ: الخميس 7-2-2019
الرقم: 16904