أمر واحد قد يتيح النصر لنظام مادورو في فنزويلا ألا وهو التدخل الغربي، إذ ليس في هذا الحين من وازع يحض على توحيد فصائل الشعب أكثر من وجود عدو مرابط قرب حدودها. ربما يكون بعض الفنزويليين يكنون مشاعر الكراهية لرئيسهم نيكولا مادورو، لكنهم بذات الوقت يحملون مشاعر الكراهية للولايات المتحدة، ومن المرجح أن يثير هذا التدخل غضب وسخط الصين لأن مادورو يعتبر حليفا لها ومن المحتمل ألا تقف مكتوفة الأيدي في حال قيام الولايات المتحدة بالهجوم على بلاده. وإزاء تلك الهواجس يجب على الولايات المتحدة ومن يسير في ركابها ترك فنزويلا وشأنها، لأن التداعيات التي قد تنجم عن هذا التدخل الخارجي ستستمر على مدى عصور عديدة. لكن ما يثير الاستهجان أن نرى ترامب وحده يصم أذنيه عن العقابيل الوخيمة التي سيسفر عنها هذا التدخل.
لا ريب بأن أولئك الذي عرفوا فنزويلا وأحبوها على مدى 20 عاماً سواء في عهد تشافيز أومادورو قد وقفوا حائرين يراقبون ما يجري عن كثب وينتابهم ألم بالغ مما يشاهدونه من تدمير شامل لاقتصاد هذا البلد الذي يعتمد على الموارد النفطية الهائلة من شرق البلاد أو غربها بشكل كامل، ولم يحصل هذا الأمر من قبل جهات حكومية متخفية بوجه إيديولوجيتها. كما لم يسبق أن تعرض بلد اشتراكي إلى هذا المستوى من الدمار على الرغم مما تلقاه من مساعدات سخية سواء من روسيا أوالصين على حد سواء.
في الوقت الراهن نجد أن أولئك الفنزويليين الذين لم يفروا من الفوضى سيواجهون أوضاعاً عصيبة نتيجة إسقاط حكومتهم. وهم يعولون على وقوف جيشهم لمساعدتهم ومساندتهم. بينما نجد الفنزويليين الذين يعيشون في الخارج يقطعون الوعود بتقديم الدعم لزعيم المعارضة غوايدو. لكن يبدو بأن إنذارات هذا الأسبوع، التي تضمنت العقوبات والتهديدات المروعة التي أطلقتها الولايات المتحدة قد أتت بنتائج عكسية. إذ إنها كانت كالمن من السماء بالنسبة للنظام المحاصر، لكونها جاءت لتصور المعارضة على أنها عميلة لقوة خارجية، لذلك فإنها وصمت بالخيانة والتلطي بالغطاء الوطني.
منذ تراخي سلطة الأمم المتحدة عن ممارسة صلاحياتها وسلطتها في حل النزاعات، أصبح تدخل بعض الدول في شؤون دول أخرى الأنموذج الخاطئ للديمقراطية الامبريالية الجديدة، حيث شهدنا في العامين الفائتين أن ترامب يريد أن يفرض هيمنته على قرارات إيران وكوريا الشمالية والصين والمكسيك، وها هي اليوم تصبح فنزويلا نصب عينيه، علما بأنه لم يسبق لأي من تلك الدول أن شكلت أي مخاطر على الأمن الأميركي. وقد شهدنا في الماضي وضعاً مماثلاً عندما تسلم طوني بلير سدة الرئاسة، حيث قامت بريطانيا على نحو مشابه باختلاق الذرائع والمبررات التي تمكنها من الهجوم على صربيا والعراق وأفغانستان وليبيا وسورية، وفرضت عقوبات اقتصادية على روسيا وإيران وميانمار. ولا تزال مكاسب الأمن البريطاني أو السلام العالمي غامضة بشكل تام حتى هذا اليوم. وإن ما شهدناه على أرض الواقع لا يتمثل إلا بإزهاق الأرواح وتبديد الأموال ونشر البؤس الذي يتعذر وصفه، وقد أصبح التدخل مرض الشعبوية الجديدة.
إن تقديم العون للمحتاجين من الأمور الواجبة والطبيعية، ومن غير المسوغ أن يقف العالم مكتوف الأيدي أمام الصعوبات والمشاكل التي يتعرض لها الشعب الفنزويلي، ولا شك بأن الكثير من الدول تتعرض لمضايقات سياسية تفضي إلى ضغوط اقتصادية الأمر الذي يتطلب منها إجراء تغيير في مسارها للتغلب على تلك الضغوط، ولا شك بأنها ستجد من يقف إلى جانبها في محنتها، ويتعرض النظام في كركاس إلى ضغوط محلية وخارجية ولا سبيل له في معالجة هذا الأمر إلا بتدخل خارجي يفضي إلى وحدة الشعب لمجابهة المعتدين وحلفائهم.
نتساءل في هذا المقام عما تكون عليه ردود أفعالنا لو علمنا أن ما دورو يقدم لنا النصح والمشورة لمعالجة الفوضى التي خلفها بريكست، أو تلقينا توجيهاً من ترامب بضرورة بناء جدار على الحدود بين إنكلترا وإيرلندا.. فهل كنا سنقبل بذلك؟
عن الغارديان
ترجمة: ليندا سكوتي
التاريخ: الخميس 7-2-2019
الرقم: 16904