أواخر 2004 تم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة الأوروبية السورية، وبعد جولات طويلة من المحادثات تم في 2008 التوقيع مُجدداً على الاتفاقية بنص مُعدل، غير أنّ مَصيرها كان التَّجميد وعدم التفعيل، لماذا؟.
جرى التجميد لأن الجانب الأوروبي ليس شريكاً ذا مصداقية؟ أم لأنه غير مُستقل وغير نزيه ومُنحاز لإسرائيل كقوة احتلال يَعتبرها جزءاً مما يُسمى الأسرة المُتوسطية؟ أم لأنه -بالأصل- استخدم الاتفاقية جسراً لتحقيق غايات سياسية غير بريئة تَخدم الكيان الصهيوني؟.
لهذه الأسباب مُجتمعة جرى التّجميد، مع إضافات جوهرية تتقاطع مع ما تَقدم لجهة العناوين والمضامين، ولناحية اشتراطات غير منطقية تُخالف الواقع والتاريخ، فضلاً عن تناقضها مع الحقوق للعرب كأمة وكدول مُنفصلة تَجمعها قضية عادلة اسمها فلسطين ينبغي تحريرها من الاحتلال مع باقي الأراضي العربية المحتلة، السورية بالجولان، واللبنانية بالجنوب.
إذا كان اتفاقُ الشراكة بجوهره يبحث عن سبل تحقيق المصالح المشتركة، ويُركز على خدمة الجوانب الاقتصادية والتجارية، ويَهتم بقضايا التنمية والاستثمارات المُتبادلة، من إنشاء مناطق للتجارة الحرة، إلى تخفيف القيود على النشاط الاقتصادي، وصولاً لتكثيف تبادل الخبرات الفنية والتقنية، ناهيك عن الدفع باتجاه التفاعل الثقافي والحضاري، فلماذا تَعمّد الشريك المزعوم – الجانب الأوروبي- تجاهل وإسقاط كل هذا بمُقابل الإصرار على طرح عناوين مَفضوحة الغايات؟.
نعم الأمن والسلام شرطان أساسيان للاستقرار والتنمية، لكن عن أيّ أمن وعن أيّ سلام كان يتحدث وما زال الجانب الغربي – أوروبا- الذي راح يُقحم بخَلط مُتعمد القضايا الأساسية تحت عناوين الشراكة لانتزاع ما يخدم الكيان الصهيوني المحتل؟.
سورية منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي دعت مجلس الأمن الدولي لوضع تعريف واضح للإرهاب، لم يَستجب، ثم دعت لعقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب، وللتمييز بينه وبين حق المقاومة للشعوب المُحتلة أرضها ضد الاحتلال، وهو الحق الذي تَكفله القوانين والمبادئ الدولية، ولم يُستجب للدعوة!.
سورية دعت منذ ذلك الحين أيضاً وبشكل مُبكر لإخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل، وجعلها خالية من الأسلحة المَحظورة دولياً، ولم تَجر الاستجابة للدعوة لأنها تُحرج أميركا والشريك الأوروبي المزعوم الذي يعلم يقيناً أن أحداً بالمنطقة لا يملك هذه الأسلحة التي تُهدد الأمن والسلام سوى الكيان الصهيوني، بل لأنه يَعرف الجهة التي بَنَت له أول مفاعل نووي، والجهات التي تُطور له ذلك، وتلك التي تَمده بكل أسباب المعرفة والتكنولوجيا التي تُمكنه من التصنيع والاستخدام، والتهديد!.
إذاً بالأدلة، وبالتجربة الطويلة، نحن نَعرف، وقد تَعرَّفنا على أشكال مُتعددة من النفاق والكذب والابتزاز الذي يُمارسه الجانب الغربي أوروبا وأميركا من أجل إسرائيل، وليس لدينا أيّ أوهام من أنه سيَتغير تلقائياً أو طوعياً.
ما الذي يَطرحه هذا الجانب اليوم مع إيران التي تلتقي مع سورية وتتطابق رؤيتهما بكل ما يتعلق بموضوع مكافحة الإرهاب، حق المقاومة ضد الاحتلال، إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل؟ يُطالبُ الجانب الأوروبي الذي أنتجَ آلية مالية لدعم التبادلات التجارية مع إيران التفافاً على الموقف الأميركي، طهران بالانضمام لمعاهدة مكافحة تبييض الأموال ومصادر الإرهاب كشرط لتفعيل هذه الآلية!.
مَطلبٌ خبيث قذر يَتقاطع مع ما جرى بشأن اتفاق الشراكة المُوقعة مع سورية وأدى لتجميدها، إذ لا يُمكن لسورية أن تقبل بأيّ اشتراطات سيادية سياسية مقابل علاقات اقتصادية أفضل، ونعتقد أنه لا يُمكن لإيران اليوم أن تقبل الانضمام لمعاهدة أطرافها تَعتبر المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني إرهاباً!.
ابتزازٌ رخيص، يؤكد من جديد، مرة أخرى بالتجربة والأدلة أن أوروبا شريك بلا مصداقية، غير مُستقل ولا يعرف النزاهة، تابعٌ ذليل لأميركا، وأسير تهمة معاداة السامية التي تُستخدم سلاحاً فعالاً، لم يَتحرر الأوروبي منها ولا يرغب .. والأيام ستُثبت نفاقه واستعداده الدائم لمُمارسته عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، حتى لو تَضررت مَصالحه!؟.
معاً على الطريق
علي نصر الله
التاريخ: الخميس 7-2-2019
رقم العدد : 16904
السابق