أردوغـــــان يتدلـــــى عاريـاً علـــــى حافــة الاصطفافـات

تبدو تأثيرات المشهد بتداعياته وتحولاته الكبرى التي جرفت في طريقها كل المشاريع والطموحات والرهانات الخاسرة، واضحة بشكل لافت على منظومة الإرهاب بكافة أركانها وأطرافها، خصوصاً الأطراف الفاعلة والمؤثرة على الأرض وفي مقدمة تلك الأطراف النظام التركي الذي يدور كـ (ثور السقاية) حول نفسه بعد أن ضاعت لديه الاتجاهات، وبات يملك بوصلة من قلق وتوتر وتخبط.
ضمن هذا السياق يبدو الرهان على أردوغان وكأنه رهان على الفراغ أو على السراب ولا سيما فيما يتعلق بالعبث بمفردات وعناوين المشهد السوري أو فيما يتصل بالتصعيد المتوقع خلال المرحلة المقبلة ضد إيران وإشعال فتيل مواجهة أو حرب معها يكون وقودها أدوات أميركا وحلفائها في المنطقة وعلى رأسهم التركي الذي وجد نفسه وبحكم الانزياحات التي ضربت المشهد نتيجة ارتدادات الواقع الجديد بمعادلاته وقواعده، يتأرجح على حبل الهزائم والمصالح والأوهام البالية حتى أصبح يتدلى عارياً خارج الواقع بحوامله وعناوينه التي لا يزال يتعامل معها النظام التركي بمزيد من الخداع والتجاهل والهروب إلى الإمام بدلاً من مواجهتها بشيء من الموضوعية والبراغماتية بشكل يحاكي المتغيرات والتبدلات التي أحدثها انتصار الدولة السورية وحلفائها في الميدان.
إن الحديث عن دور تركي مرتقب ومطلوب من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل إزاء التصعيد المحتمل ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية كجزء من فاتورة الحساب التي يجب على الدول المناهضة والرافضة والمقاومة للسياسات والمشاريع الاحتلالية والاستعمارية الأميركية في المنطقة والعالم أن تدفعها.. إن الحديث عن دور تركي حقيقي يكون داعماً ومسهلاً للتصعيد الصهيو-أميركي المتوقع ضد طهران هو أمر سريالي وبعيد عن الواقع نوعاً ما رغم أهمية الحضور التركي مع مصفوفة العبث الأميركية، في ظل التداخل والتشابك الكبير للمصالح والأهداف والغايات، حتى أن الأدوار باتت متداخلة ومتشابكة إلى حد يصعب معه فكفكتها ومقاربتها بشكل حيادي، وهذا ينطبق على معظم الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الشأن السوري، خاصة النظام التركي الذي يسعى لوضع قدميه على ضفتي المشهد، وهذا يندرج تحت عنوان مخاضات اللحظة الأخيرة التي تفرض على أنقرة اتباع سياسة (اللا الربح واللا خسارة) بعد أن أدرك أردوغان أنه ربما يكون الخاسر الأكبر في معركة الحسابات والتصفيات والصفقات التي تقفز فوق دروس وعبر الماضي والتاريخ ووقائع الجيوسياسة.
لقد حاول أردوغان أن يقتنص الفرص في مراحل الحرب الأولى لتحقيق أهدافه وطموحاته، لكنه نسي أنه كان ولا يزال مجرد أداة ومطية أميركية إسرائيلية للعبور إلى جغرافيا المنطقة وتدميرها واحتلالها ونهب خيراتها وثرواتها.
التركي في مأزق حقيقي وعلاقاته سيئة مع كل الأطراف ليس مع الدول الرافضة لسياساته العدوانية فحسب، بل مع الدول الحليفة له أيضاً بدءاً من الولايات المتحدة وأوروبا وليس انتهاء بمشيخات وأنظمة الخليج.
كنا في مقال سابق قد طرحنا سؤالاً مهماً عن جاهزية أردوغان للمشاركة في أي عدوان صهيو-أميركي ضد إيران، في ظل الزلازل السياسية والميدانية التي ضربت المشهد الدولي والإقليمي والتي جعلت من الأخير في حالة من انعدام الوزن السياسي الذي انعكس تخبطاً وتوتراً على سلوكه على الأرض.
الإجابة على السؤال السابق تكمن في استعراض علاقة النظام التركي المتوترة وغير المستقرة مع مختلف الأطراف الحليفة له برغم ترابط وتقاطع الأهداف والأدوار التي تجمعهم في بوتقة المصالح والطموحات والأوهام.
مؤكد أن أنقرة ليست في مواجهة ناضجة للسعودية وأنظمة الخليج بشكل عام، وهذا الجامع المشترك في الأهداف والغايات قد يشكل قاعدة للتصعيد ضد إيران قد تكون مقدمة لقيام عمل عسكري ضدها فيما بعد، لكن لا يمكن لأحد تجاهل الاختلافات والخلافات والثارات المتجددة بين تلك الأطراف كما لا يمكن لأحد أيضاً تجاهل العلاقات الإيجابية بين تركيا وإيران خصوصاً العلاقات الاقتصادية.
كما أن تركيا على خلاف واضح مع الولايات المتحدة حول العديد من الملفات والقضايا ولا سيما الملف الكردي والدعم الأميركي المعلن للميليشيات الكردية التي تدور في الفلك الأميركي والتي تعتبرها أنقرة خطراً كبيراً عليها هذا مع اليقين بأن أردوغان لم ينسى دعم واشنطن وبعض دول الخليج لانقلاب 2016 ضده والذي كاد أن يطيح به، كذلك مع النظام السعودي، فأردوغان على خلاف معلن معهما برغم محاولات إخفاء وتجاوز هذا الخلاف الذي بدأ يتقد إثر دعم النظام التركي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية بالتعاون مع الحليفة قطر للعبث بالمشهد المصري والتونسي والليبي، دون أن ننسى التوتر القائم على إثر ذلك بين النظام القطري وأنظمة الخليج بشكل عام والدعم التركي للنظام القطري في أزمته مع مشيخات الخليج.
كذلك الحال مع دول الاتحاد الأوروبي حيث التركي على خلاف واضح ومعلن معها في ظل الحضور الدائم للحلم والطموح التركي بالانضمام إلى الأسرة الأوروبية على طاولة العلاقات بين أنقرة وأوروبا عند كل اجتماع ولقاء بين الطرفين إلى درجة أن هذا الأمر بات بتراكماته التاريخية يشكل عقبة دائمة أمام أي تطور للعلاقة بين تركيا وأوروبا، حتى أن موضوع الانضمام إلى أوروبا استغله النظام التركي على أكمل وجه لجهة الابتزاز والاستثمار في هوامش وفراغات المشهد التي خلفتها التحولات والانزياحات الكبرى في المواقف والسياسات التي ضربت المنطقة والعالم خلال المرحلة الماضية.
ما قلناه لا ينفي أهمية حضور التركي ضمن التحالف الأميركي للتصعيد ضد إيران في ظل هذا الواقع المعقد بمعادلاته وقواعده التي خلقت تجاذبات واصطفافات جديدة، وهذا ما قد يفتح الباب واسعاً على فرضيات واحتمالات كثيرة من بينها انتهاج سياسة المتاجرة والبيع والشراء وتقديم الصفقات والتنازلات المتبادلة بين أطراف الإرهاب تحت القيادة والإدارة الأميركية، لكن السؤال الأبرز الذي يتبادر إلى الذهن في هذا السياق هل تطبيق ذلك ممكن على الأرض؟.. بحسب الواقع بتحولاته المتدحرجة التي تجتاح المشهد السياسي يبدو تطبيق ذلك أمراً مستحيلاً لأن مشاركة النظام التركي بأي عملية سواء أكانت عسكرية أم مجرد ضغوطات سياسية واقتصادية ضد طهران سوف يكون مقدمة للذهاب بالجميع الى حافة الهاوية، لأن من شأن ذلك أن يشعل حرباً عالمية ثالثة في ظل حالة الاصطفافات الإقليمية والدولية المعلنة والواضحة على إثر هزيمة واشنطن وشركائها وانتصار دمشق وحلفائها.

فؤاد الوادي
التاريخ: الجمعة 8-2-2019
الرقم: 16905

 

 

 

 

 

آخر الأخبار
غياب ضوابط الأسعار بدرعا.. وتشكيلة سلعية كبيرة تقابل بضعف القدرة الشرائية ما بعد الاتفاق.. إعادة لهيكلة الاقتصاد نقطة تحول.. شرق الفرات قد يغير الاقتصاد السوري نجاح اتفاق دمج قوات سوريا الديمقراطية.. ماذا يعني اقتصادياً؟ موائد السوريين في أيام (المرق) "حرستا الخير".. مطبخ موحد وفرق تطوعية لتوزيع وجبات الإفطار انتهاء العملية العسكرية في الساحل ضد فلول النظام البائد..  ووزارة الدفاع تعلن خططها المستقبلية AP News : دول الجوار السوري تدعو إلى رفع العقوبات والمصالحة فيدان: محاولات لإخراج السياسة السورية عن مسارها عبر استفزاز متعمد  دول جوار سوريا تجتمع في عمان.. ما أهم الملفات الحاضرة؟ "مؤثر التطوعي".. 100 وجبة إفطار يومياً في قطنا الرئيس الشرع: لن يبقى سلاح منفلت والدولة ضامنة للسلم الأهلي الشيباني يؤكد بدء التخطيط للتخلص من بقايا "الكيميائي": تحقيق العدالة للضحايا هدوء حذر وعودة تدريجية لأسواق الصنمين The NewArab: الشرع يطالب المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل للانسحاب من جنوب سوريا "The Voice Of America": سوريا تتعهد بالتخلص من إرث الأسد في الأسلحة الكيماوية فيدان: الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا استفزاز جامعة دمشق تختتم امتحانات الفصل الأول حين نطرح سؤالاً مبهماً على الصغار تكلفة فطور رمضان تصل إلى 300 ألف ليرة لوجبة متواضعة