تشكيل… سوسن حج إبراهيم في معرضها الثالث..تعبيريـــة الخطــوط وعفويــــة الأجساد والوجوه..

في معرضها الفردي الثالث، بثقافي أبو رمانة، تكثف الفنانة التشكيلية سوسن حج إبراهيم, بحثها التشكيلي والتقني، وتخوض غمار تجربة فنية تستفيد من كل ما شاهدته من أعمال فنية حديثة، خلال جولاتها الاطلاعية على المعارض والمتاحف الأوروبية، وأبرز ما يميز معرضها، الذي يتضمن 45 لوحة بقياسات مختلفة، هو تنويع المفردات التشكيلية, والرؤية الفنية التي تبرز في تحديدات الأشكال ومعالجات الألوان والصياغة التشكيلية العامة.

رؤوس مقلوبة

وإذا كانت في بعض لوحاتها تجعل الطبيعة الصامتة والطيور، فوق رؤوس النساء، فإنها في لوحات أخرى تجعل الرؤوس متقابلة ومقلوبة ومائلة، كما تبدو الخطوط ملتوية في بعض اللوحات, ومستقيمة ومنكسرة ومتقاطعة بزوايا حادة في لوحات أخرى، وهنا يبرز الطابع المعماري في اللوحة، وتصبح الاشكال والعناصر محصورة ضمن أشباه المربعات والمستطيلات, التي تحددها حركات افقية وشاقولية متناهية العفوية.
وفي لوحات أخرى وخاصة ذات القياسات الصغيرة تجسد تجمعات الناس، من خلال اختصار عناصرها ومفرداتها، وتدمجها مع خلفية اللوحة,وهي غالباً ما تجمع بين الأجواء التعبيرية والرمزية من خلال استحضار المزيد من الإشارات والعناصر التي تجعل بعض المساحات مجردة.
وتقدم سوسن في معرضها الجديد خلاصة وثمرة سنوات من البحث والاطلاع والتجربة المتواصلة، حيث تعتمد على تقنيات لونية اكثر ما يميزها العفوية، التي تجمع بين معطيات المدارس والاتجاهات والتيارات, التي سادت الفنون العالمية، في مرحلة ما بعد إطلاق المفاهيم الجمالية الحديثة، التي غيرت مفهوم مجرى الفنون الأوروبية, في مرحلة ما بعد إطلاق الموجة التكعيبية على يد بابلو بيكاسو وجورج براك.
وفي تجربتها ملامح كثيرة من تجليات نزعتها التشكيلية الحديثة, حيث تجنح في بعض لوحاتها نحو إيجاد المزيد من التوافق بين الإيقاعات الهندسية التي تبرز جمالية تداخل الخطوط الملتوية والزوايا والخطوط المستقيمة وحركة الدوائر وأنصاف الدوائر, ولهذا تظهر الوجوه ومواضيع العائلة والأمومة وعناصر الطبيعة الصامتة وغيرها هنا بطريقة جريئة وبحساسية بصرية وخبرة تقنية تستفيد من معطيات الفنون الحديثة المحلية والعالمية.
رمال ومواد مختلفة
وهذا التنوع في لوحاتها المنجزة بمواد مختلفة «ميكست ميديا» بين عامي 2014- 2018 يضفي على معرضها (وجوه وعناصر نسائية وطبيعة صامتة وطيور وقطط وبنى معمارية وغيرها) عفوية واضحة من خلال الخطوط المتقطعة والألوان التلقائية، بل من خلال الانتقال من المعالجة اللونية الشاعرية، إلى المعالجة بفرش الرمل في أماكن متفرقة من بعض لوحاتها، وهذا يؤدي إلى تكثيف الطبقات، وتشفيفها في أماكن أخرى.
فالوجوه تبدو في احيان كثيرة بلا ملامح، والاجساد تظهر في بعض اللوحات مطلية بطبقة من البياض، وهكذا تغيب في أحيان أخرى، وتتماهى مع ارضية اللوحة، وتبدو مشرعة على الأحاسيس الإنسانية المتوترة القادمة من معايشة فصول الرعب والعنف والألم والدمار الشامل, بحيث تنقلنا عبر لوحات كثيرة لمعايشة فصول الرعب والآلام والأوجاع, وتبدو بمثابة صرخة احتجاج تجاه أهوال الحروب ومآسي الحياة الراهنة التي نعيش فصولها اليومية.
لاتزال سوسن إذاً مستمرة في البحث داخل لوحاتها عن مفردات تعبيرية ذاتية, وعن إيقاعات بصرية بعيدة كل البعد عن متطلبات السوق الاستهلاكي, وهذا يعني أنها تطلق في لوحاتها ما يشبه البيان التشكيلي المعبر عن حالات انسانية واجتماعية وموسيقية (عازفات الناي),وهي تنثرها في المساحة بما يضمن حضور الضوء الساطع في اماكن متفرقة من اللوحة, وما يضمن إبراز اختبارات تقنية في معالجة السطوح والألوان, وهي تصل إلى لمسات أكثر حداثة, واقتراباً من تقنيات فنون العصر عن طريق تسميك العجينة اللونية ونثر الرمل في بعض اللوحات، وكل ذلك يجعل منها مادة ذات أبعاد جمالية وتعبيرية، تنقل الحس المباشر الداخلي, ولا تعمل على تقليد الشكل الخارجي أو التماهي مع المشهدية الصالونية.
اختبارات يومية
وهذا التنوع التقني والأسلوبي يساهم في ايجاد شخصيتها, التي تبحث عنها بشكل يومي ومتواصل، ويؤدي إلى تحقيق العنصر الذاتي، في خطوات إيجاد الركائز والمنطلقات والهواجس الفنية،وهي إلى جانب معايشة الهموم الفنية التشكيلية والتقنية، تطرح اللوحة الملتزمة بقضية الإنسان، وبواقع الأمكنة المصابة بلعنة الحروب التي لا تنتهي.
وهنا يصبح سطح اللوحة مجالاً للتشكيل الحر, بحيث تخضع معطيات العمل البصرية لحركة اللون الذي يصل الى حدود البياض في بعض اللوحات، وفي هذا الجو من توكيد البصريات اللونية التعبيرية والحركية, يصبح عملها عرضة لتبدلات الحالة الداخلية، التي تعيشها أثناء إنجاز اللوحة,وهذا لا شك يعمل على إغناء القدرة التعبيرية ويضفي إيقاعية بصرية أكثر حركة وحيوية.
أديب مخزوم
facebook.com adib.makhzoum

 

التاريخ: الثلاثاء 19-2-2019
رقم العدد : 16913

آخر الأخبار
المركزي يصدر دليل القوانين والأنظمة النافذة للربع الثالث 2024 تحديد مواعيد تسجيل المستجدين في التعليم المفتوح على طاولة مجلس "ريف دمشق".. إعفاء أصحاب المهن الفكرية من الرسوم والضرائب "التسليف الشعبي" لمتعامليه: فعّلنا خدمة تسديد الفواتير والرسوم قواتنا المسلحة تواصل تصديها لهجوم إرهابي في ريفي حلب وإدلب وتكبد الإرهابيين خسائر فادحة بالعتاد والأ... تأهيل خمسة آبار في درعا بمشروع الحزام الأخضر "المركزي": تكاليف الاستيراد أبرز مسببات ارتفاع التضخم "أكساد" تناقش سبل التعاون مع تونس 10 مليارات ليرة مبيعات منشأة دواجن القنيطرة خلال 9 أشهر دورة لكوادر المجالس المحلية بطرطوس للارتقاء بعملها تركيب عبارات على الطرق المتقاطعة مع مصارف الري بطرطوس "ميدل ايست منتيور": سياسات واشنطن المتهورة نشرت الدمار في العالم انهيار الخلايا الكهربائية المغذية لبلدات أم المياذن ونصيب والنعيمة بدرعا الوزير قطان: تعاون وتبادل الخبرات مع وزراء المياه إشكاليات وعقد القانون تعيق عمل الشركات.. في حوار التجارة الداخلية بدمشق بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة