مما لا شك فيه أن الدراما السورية طالها ما طال معظم مناحي الحياة وتأثرت بالحرب التي شُنّت على سورية خلال السنوات الأخيرة، ونالها قسط كبير من الضرر بسبب عدم التسويق والحصار الذي فرض عليها، إضافة إلى الكثير من المصاعب التي واجهتها خلال الفترة الماضية، الأمر الذي يستدعي أن تشمل مرحلة إعادة الإعمار بنيان الدراما التلفزيونية نفسه لأنها بأشد الحاجة إلى وضع خطة ممنهجة تتسم ببعد استراتيجي منطقي قابل للتطبيق، كما أنها بأشد الحاجة إلى قرارات ودعم من الدولة لتقف من جديد وتعود كما كانت وأفضل متماشية مع العصر، إن كان على الصعيد التقني والفني أو على صعيد المعالجة الدرامية والحكاية أو على صعيد الرؤيا البصرية وأماكن التصوير والديكورات.
لن ندّعي القول أن كل ما تعانيه الدراما السورية من مشكلات هو وليد الأزمة والحرب، ولكن الحرب عجّلت في إظهار تلك المشكلات واستفحالها وجعلها تطفو على السطح بفجاجة، وهي في معظمها مشكلات قديمة (بما فيها التسويق) وكان يتم تأجيل معالجتها أو التغاضي عنها في ظل دوران عجلة الإنتاج آنذاك، ولأن معظم المنتجين حينها كانوا يتبعون مبدأ (اللهم أسألك نفسي)، ولم نشعر إلا وتراجع سريع أصاب عملية الإنتاج، وهنا قد يقول أحدهم (لكن الدراما استمرت رغم الصعوبات) . هذا صحيح فهي أصلاً دراما قوية وتمتلك من المقومات الكثير لتبقى واقفة لا تنكسر، كما تمتلك تاريخاً بني بجهد وتعب ودأب الكثير من المبدعين والرواد، وبالتالي هي بنيان شيّد على الصخر وليس على الرمل، إلا أن هذا التغني لا ينفي حقيقة ما تعانيه من مشكلات لابد من حلها والتعاطي معها بشكل منفتح يتأقلم مع روح العصر اليوم.
لا نطالب بعصا سحرية لأن الحل الحقيقي المستدام وليس المؤقت بحاجة إلى أرضية وإرادة وتضافر جهود أكثر من جهة، فالنيات الطيبة لن تجدي نفعاً لأنها منفردة ستكون عاجزة عن تحقيق أي خطوة للأمام، والكلام لا يشمل هنا جزئية الإنتاج فقط وإنما يبدأ من تحضير وتهيئة مبدعين في كافة الاختصاصات اللازمة مروراً بعملية الإنتاج وصولاً إلى التسويق والعرض، مع ضرورة تكريس عادات وتقاليد وأعراف إنتاجية وفنية إبداعية تحكم العلاقات بعيداً عن الفردية والشخصنة فيكون محورها المصلحة العامة تحت عنوان (الدراما السورية)، تلك الأعراف والتقاليد يكون من مهامها ترسيخ آليات عمل ووضع ضوابط لحماية المُنتج الدرامي السوري وحماية العاملين فيه، وبالتالي طرد أو تحجيم كل الطفيليات التي تعربشت أو يمكن أن تتعربش على الجسد الدرامي، وتنظيفه من الشوائب التي علقت به بفعل تراكم السطحية والأنانية في تعامل البعض مع المسألة انطلاقاً من المنطق التجاري البحت.
لابد أن يعود العمل الدرامي التلفزيوني السوري منافساً شرساً، يُزاحم على الصدارة دون مهادنة، ولا يقبل عن المراكز الأولى بديلاً، ولتحقيق ذلك لا بد من حلول جريئة وصدور قرارات من شأنها تحريك الراكد.
fouaadd@gmail.com
فؤاد مسعد
التاريخ: الجمعة 22-2-2019
الرقم: 16916