مذ كنا صغارا, كانت الحكايا رفيقة الليل والدرب والسهر, لا احد يعرف كم من الحكايا رويت لنا, في كل بقعة جغرافية سورية, تهدهد الجدات الاحفاد على وقع الحكاية التي غالبا هي من جذر اسطوري, يمتد عميقا في تراثنا السوري, وكم هو ممتع وجميل ان تجد عشرات, بل ربما مئات الكتب التي توثق وتحفر لتجد النصوص الأصلية لما يروى, ولاسيما الأساطير التي تروى بأكثر من طريقة وصيغة.
في التاريخ السوري الذي فاض على العالم بكل ما هو ممتع وجميل, اساطير لابد من التذكير بها دائما, جمعت كما اشرنا بكتب كثيرة, ولكن يظل لكل حكاية طريقة ما، جذر ما, نتابعه تختلف الرؤية من باحث لآخر, نقف اليوم عند كتاب: معجم الآلهة والكائنات الاسطورية في الشرق الأدنى القديم, لمؤلفه دكتور عيد مرعي, وهو صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب بدمشق.
ومن اللافت غزارة الاساطير والآلهة التي يقدمها الكتاب المعجم, من مسوغات العمل البحثي يذكر عيد: ليس الهدف من دراسة الآلهة والكائنات الاسطورية تمجيدها والتفاخر بها, بل استخدامها وسيلة لمعرفة تاريخ الفكر الديني وتطوره للوصول إلى فهم أفضل للأفكار المعاصرة فالإنسان لايمكنه أن يفهم الحاضر دون الرجوع إلى الماضي البعيد منه, وكي يستطيع التخطيط للمستقبل من اجل الوصول إلى حياة تحقق له السعادة والهناء.
آلهة خصب سورية (إيل)
كثيرا ما تسمع في اللهجة السورية, إيلي, يرددها الكثيرون كحالة تعجب, وربما غضب ولايعرف الكثيرون منا ما الجذر الذي جاءت منه هذه المفردة أو التسمية, بكل الأحوال يقول عيد في166عن الاله إيل: إن كلمة إيل معروفة في جميع لغات المشرق العربي القديم, ومؤنثها (إيلة) وكانت كلمة إيل اسما يطلق على كبير الآلهة الكنعانية وسيدها واقواها وإله السماء والخصوبة وخالق الأرض وابو البشر, ولاسيما في مملكة أوغاريت الساحلية السورية, حيث يذكر بهذه الصفات والالقاب مرات كثيرة في نصوصها وأساطيرها المكتشفة.
ومن القابه كما يقول عيد: أيضا (السنين) والإله الأبدي وخالق المخلوقات, وغالبا ما كان يصور بقرني ثور كعلامة للألوهية وزوجة الإله أثيرة التي انجبت له اكثر من 70 ولدا, ومن ثم جاء بعل ليحل محله بعد أن تعب وفقد قدرته على الخصوبة نتيجة تقدمه في السن وتصفه الاسطورة بأنه شيخ طاعن في السن, شعره ابيض ولحيته بيضاء لم يكن له مركز محدد لعبادته, وإنما تذكر بعض النصوص أن مكانه يقع منبع الانهار ومصادر المياه حيث يوجد الماء العذب, ومن صفاته الحكمة وبعد النظر والمحبة والتسامح, وكانت آلهة اوغاريت تلجأ إليه بوصفه ملكها وخالق الكون والمسؤول عن النظام الكوني و لأخذ موافقته عندما تريد القيام بعمل ما, فهذا (بعل) يذهب إليه للحصول على موافقته من اجل بناء قصر بعد انتصاره على الإله موت, ويبدو أنه لم يحصل على الموافقة إلا بعد التقرب من زوجته أثيرة وكان إيل يتمتع بعواطف رقيقة ومشاعر جياشة فقد حزن على بعل حزنا شديدا, عندما علم أن الإله موت قد قتله وتملكه فرح عارم عندما بلغه خبر عودته إلى الحياة, وبعد ان تقدم به العمر وفقد قوته صار يقيم لوحده بعيدا عن زوجته أثيرة التي كانت تزوره أحيانا وتقاسم سيادته ثلاثة آلهة (بعل للسماء والأرض, وموت للعالم السفلي, ويم للبحر) ومن المعروف أن كلمة إيل تدخل في الكثير من الاسماء, اسماعيل, جبرائيل, خزعل ايليا, عزرائيل..).
ولعلنا وجدنا تفسير كلمة (ايلي ) التي تعني ياالهي, يا ربي, الكتاب معجم موسوعي مهم جدا تجد فيه الكثير مما تبحث عنه يقدمه لنا بطريقة جمالية عالية الدقة, وكم من المفيد أن يتم العمل على جمع الآلهة التي تخص سورية وحدها بكتاب أو مرجع محدد.
Yomn.abbas@gmail.com
يمن سليمان عباس
التاريخ: الجمعة 1-3-2019
الرقم: 16921