«الرمز.. والبطل المعادل»

 

لا يخفى على أحد ما للرمز من طاقة سحرية في الفن، والأدب.. تلك الطاقة التي تؤثر في النفس، وتنفذ إلى المشاعر، والعواطف. أما استغلال الرموز القائمة بتوظيفها، أو استجلاب غيرها من الشعوب الأخرى، أو سحبها من أعماق التراث فإن هذا مما يغني الأدب، والفن معاً، ويعطيهما تلك اللمسات المثيرة، والغامضة التي تفجر السؤال، وتثري التجربة الإنسانية.
والرمز هذا الذي يكتفي بالتلميح دون التصريح.. وفي الأدب، كما في الفن هو ما يدفع القارئ، أو المتابع لأن يفكك النص، أو اللوحة البصرية سواء في الفن التشكيلي، أم في المسرح، أو في السينما تلك التي تجمع إليها كل الفنون لكشف لغز الرمز. ولعل أهمية الرمز تأتي من كونه يخفي المعنى المباشر عبر الكلمة، أو الصورة كمن يختفي خلف ستار، وعلى الآخر أن يكشف هذا الستار للوصول إلى المعنى العميق الكامن وراءه.
لقد اهتم الأدب بالمعنى المختبئ خلف الحروف، كما اهتم الفن بالفكرة المختبئة خلف الألوان، والخطوط.. حتى أصبح للرمز مدرسته، واتجاهاته الفكرية.. لكن الرمز لم يقف عند هذا فحسب بل انسحب على أناس أصبحوا رموزاً لنا نعجب بهم، ونقتدي.. وقد يبلغ التأثر أحياناً، وخاصة عند الشباب، درجات عالية تغير مسار حياة أحدهم إذا ما استحوذت عليه شخصية متفوقة سواء أكانت من لحم ودم، أم من نموذج روائي يتطابق في ملامح شخصيته مع آخر يمكن أن يوجد في الحياة.
إنه الرمز من خلال الشخوص الروائية، والرمز من خلال الشخصيات الحقيقية.. ويبقى سؤال معلقاً برسم إجابة حاسمة: هل تظهر الرموز الروائية في الأدب كنوع من التعويض عن افتقادها في الحياة؟ أم أنها المرآة العاكسة للواقع الذي يكرّس له الأدب؟ أم أن الأمر هو مزيج من هذا وذاك معاً؟
في زمن الأسطورة تناثرت صور الأبطال الخارقين عبر سطور الكلمات، انبهر بهم الناس، واعتُبر كل واحد منهم هو النموذج المثال، والذي يستحق التقدير، والتبجيل.. أما الوحوش التي تحولت إلى رموز آنذاك فقد كان لها وجود حقيقي زمن انتشار الحكايات الخرافية، والتي اتكأت في عجائبيتها على وجود تلك الوحوش، والبطل الخارق دوماً هو الذي يواجه، ويتصدى، فيهزم، ويرفع راية الانتصار.
إلا أن فضاءات الأدب، والفن توقفت عند الرموز التي كُرّس لها فيما مضى حتى منذ عقود قريبة، دون مواكبة للحاضر، ودون خلق ما هو جديد منها موازٍ، ومعاصر وليس من غابر الأزمان، أو حتى من التاريخ القريب، ويستحق بجدارة التكريس له أيضاً.. وما أظن إلا أننا أغفلنا بالتالي ما لنموذج البطل المعاصر الذي لا تزال الدماء تنبض في عروقه، والمعادل للبطل التاريخي، أقول أغفلنا ما لهذا البطل من أثر نفسي من حيث النموذج القدوة، وتمثل القيم، وهو يملك القوة، والسطوة، والتفوق ربما على باقي النماذج الإنسانية التي حملت لقب البطولة.
صحيح أن البطل الإيجابي يخرج من نافذة الواقع الاجتماعي، أو السياسي القائم كنوع من الانعكاس لهذا الواقع لكن معادله التاريخي قائم في الأذهان، ويمكن الربط بينهما تبعاً للمتشابهات في سياقها التاريخي.
وما دمنا قد أصبحنا في زمن (عولمة الرمز) فإننا من حيث ندري، أو لا ندري غدونا نتشارك في رموز عالمية تفرد أجنحة شهرتها على قارات الدنيا، وهذه النماذج هي غالباً ما تكون من عالم الرياضة، أو الفن كالتمثيل والغناء، والسياسة ولو بدرجة أقل من الفن والرياضة، وقلما عثرنا من بينها على علماء، وأدباء، وفلاسفة، ومفكرين.. وكأن الساحة أصبحت خالية تماماً من أي معادل للبطل التاريخي، والبطولة هنا التي أقصد لا تعني الفوز في ساحات المعارك طبعاً بل الفوز في ساحات العلم، والاكتشاف، والفكر، والفلسفة.. والبطل الإيجابي الجديد يزيح الصورة التقليدية ليُحل مكانها مفهوم جديد أيضاً للرمز، والبطولة.. والساحات مفتوحة إلى ما لا نهاية لكل ما يُعبِّر عن التفوق، والتميز، ويستحق أن يصبح رمزاً.

 

لينا كيلاني
التاريخ: الجمعة 1-3-2019
الرقم: 16921

آخر الأخبار
الاحتلال يتمادى بعدوانه.. توغل واعتقال 7 أشخاص في جباتا الخشب بريف القنيطرة  تحضيرات في درعا لمشاريع تأهيل مرافق مياه الشرب والصحة والمدارس  حريق كبير يلتهم معملاً للكرتون في ريف حلب الغربي  حضور لمنتجات المرأة الريفية بالقنيطرة في "دمشق الدولي" واشنطن وبكين.. هل تتحول المنافسة الاقتصادية إلى حرب عسكرية المجاعة في غزة قنبلة موقوتة تهدد الأمن العربي "إسرائيل" تخسر معركة العلاقات الدولية وتفقد قوة لوبيها بالكونغرس ماكرون: ممارسات "إسرائيل" في غزة لن توقف الاعتراف بدولة فلسطين الذكاء الاصطناعي شريك المستقبل في تطويرالمناهج التعليمية إطلاق مشروع إعادة تأهيل محطة مياه "بسيدا" في معرة النعمان الانتخابات التشريعية.. محطة مهمة في بناء مؤسسات الدولة وتوسيع المشاركة الوطنية  أيقونة الصناعات الدوائية.. "تاميكو" تبرز في معرض "دمشق الدولي" محافظ إدلب يناقش مع جمعية عطاء مشاريع التنمية وترميم المدارس عروض مغرية لا تجد من يشتريها.. "شعبي أو خمس نجوم": أسعار الخضار والفواكه تحلق السويعية تنهض من جديد.."حملة العزاوي للعطاء" ترسم ملامح الأمل والبناء استراتيجيات لمواجهة الجفاف وحماية الإنتاج الزراعي والحيواني في طرطوس صيانة مستمرة لواقع الشبكات وآبار المياه في القنيطرة مرسوم ترخيص المؤسسات التعليمية الخاصة خطوة نوعية لتعزيز جودة التعليم المدينة الصناعية في الباب.. معجزة صناعية تنهض من تحت الركام ملفات التعثّر من عبء اقتصادي إلى فرصة لاستدامة النمو المالي