لم يعد موضوع التراث موضوع معالم تاريخية وتراث مادي يجب المحافظة عليه، بل أصبح عاملاً من عوامل تكوين المدينة، وأحد مقوماتها الأساسية، والحفاظ عليه لم يعد يعني الحفاظ على المعالم الأثرية ذات القيمة فقط إنما يعني الحفاظ على مجموعة المباني والمعالم والأحياء والقرى والمدن التي تحمل صفات تاريخية وثقافية، والمهددة بالتدهور والخراب، بفعل التطور والتحضر التقني والاقتصادي، بل بفعل ما تتعرض له هذه الأيام من حملات تدمير منهجية على أيدي منظمات إرهابية وتكفيرية، تدفعها جهات من مصلحتها طمس الهوية الثقافية لأمتنا، وللشعوب المختلفة التي كونت حضارة المنطقة منذ آلاف السنين.
كتاب جديد صدر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان (التراث المعماري من التوثيق إلى الـتأهيل) للكاتب أمل زين الدين.
الكتاب يتضمن خمسة فصول تتحدث عن أهمية التراث المعماري في بلدنا وغناه بمعالم أثرية تعود إلى عصور البرونز، والروماني و البيزنطي والعصر الإسلامي.
قدم الكاتب إضاءة على بعض المواقع التي تم تأهيلها مثل منزل الشيخ سعيد الأطرش، بالتالي إعادة التأهيل تنبع من حاجة المجتمع إلى الاستفادة من تراثه المعماري والحفاظ عليه بحيث يكون له دور في تحريك عجلة تقدم المجتمع وتطوره، فالمباني التراثية تلعب دوراً ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً في حياة المجتمع، والحفاظ على هذا التراث المحلي يعتمد بشكل أساس على إعادة التأهيل من نواح عديدة، لكن أهمها من الناحية المعمارية لتصبح موقع جذب سياحي ومتحف للتقاليد الشعبية.
وقدم الكاتب أمثلة لمواقع محلية منتشرة في المحافظات السورية تم ترميمها وإعادة تأهيلها كمتاحف ومواقع للزيارة منها: قصر العظم وخان أسعد باشا والبيمارستان النوري ومكتب عنبر.. وكذلك الكثير من منازل دمشق القديمة التي تم ترميمها وإعادة تأهيلها واستثمارها سياحياً من قبل أصحابها، أو ثقافياً من قبل جامعة دمشق، ومحافظة السويداء تضم من تلك المواقع الأثرية المهمة والمنازل التاريخية التي تستحق الاهتمام والتي تشكل ثروة وطنية، ولم يتم استثمار أي منها مثل (منزل فلافيوس او سوس او ليانوس الأثري)، وأيضاً (دار عرى والاسم الشائع دار الدروز) ومباني الحي الفرنسي في مدينة السويداء، ومنزل الأمير حسن الأطرش والاسم الشائع (أسمهان).
إن الحفاظ على التراث المعماري وحمايته يتطلب قاعدة واسعة من المعرفة، والكفاءات العلمية والعملية في المجالات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعمرانية والتقنية، ويتطلب تعاوناً وثيقاً بين السلطات المحلية، والشركات والمؤسسات المعنية بالحفاظ على التراث وحمايته، والجدير بالذكر أن استخدام المباني التاريخية وإعادة توظيفها يسهم في الحفاظ عليها, شرط احترام ميزاتها التاريخية والفنية، كما أن عمليات إعادة الإحياء للمباني يتطلب دوام الصيانة والمراقبة.
الكتاب قدم للقارئ منهجيات وأساليب لكيفية حماية تراثنا السوري وإعادة إحيائه يعد دليلاً توجيهياً يمكن اعتماده والاستفادة منه في حماية التراث المعماري، ولكل مبنى تراثي خصوصيته التي تحتم علينا نقلها للأجيال القادمة.
علاء الدين محمد
التاريخ: الأثنين 4-3-2019
رقم العدد : 16923