رواية تحتفي بالمكان
يبين الإعلامي والأديب ديب علي حسن أنه غالبا مانتوقف عند شخوص الروايات وكأنها الأساس، ولكن لماذا علينا أن نهمل الوعاء الذي تجري فيه، إنه المكان الحقيقي، باب الجابية ليس مكانا عاديا وهو معلم من دمشق، حكايا التاريخ والعمل والمهمشين، ولاأحد يعرف كم من الفقراء كانوا هنا يقفون بانتظار عمل ما.
نعم من باب الجابية ينطلقون، المكان الذي قال عنه أيمن الحسن في حضرة باب الجابية، دلالة هذه الحضرة وماتعنيه، وعلى مقربة منها شواهد لمن رحل ومن بقي ويبقى، وباب الجابية بكل مافيها من بائع البيض والبطاطا وغيرهم مازالوا موجودين، والحسن مشغول بهم والمكان أيضا لأنه يراه الهوية التي تعطينا كل مانجن عليه.
ويضيف: لاأستطيع أن أقرأ باب الجابية إلا من خلال المكان سواء كانت الشخوص منها أو لا، وغلاف الرواية يشي بها وبكل ماتقدمه، ونحن نعرف كيف يؤثر المكان بنا وعلينا ويجعلنا مشدودين إليه، هي رواية تستحق الاحتفاء بها.
سيرة ذاتية
ويرى عبد الكريم حسين في الرواية عملا ابداعيا مميزا بما يتعلق بالسرد الروائي الممزوج بالسيرة الذاتية حتى النخاع عرض فيه رؤيته وتاريخ أسرته، والرواية غلبت عليها فكرة رواية الشخصيات رغم تأكيد المؤلف أنها رواية مكان، لكن المكان لم يبرز مؤثرا قويا في الشخصيات، بل الشخصيات كانت تؤثر في سكان المكان، وحضرت الأماكن الأخرى فيه من باب الجابية الاسترجاع والحنين إلى الماضي.
وكان المؤلف بارعا في سرده واتكائه على الأغاني لفريد الأطرش ووديع الصافي وفيروز، وكأن الأغاني تعبر عن الشخصية أكثر من مواقفها أو تأويلها وكأنها استراحة من الحدث والسرد إلى وهج الغناء، وقلم الروائي واعد بعمل أعلى مما وصل إليه وطاقاته الكامنة أشد قوة من الظاهرة بالفعل.
واقع الإنسان المهزوم
استطاع طفل البسطة في رواية أيمن الحسن» في حضرة باب الجابية» أن يكون الشاهد على الأحداث والناقل الأمين لها، إذ وضعنا كما ترى الأديبة والإعلامية سلوى عباس في أجواء ذلك الزمن وطباع ناسه ومزاجهم وأهوائهم، سكبها في قالب روائي سلس وشفاف وبكثير من المصداقية، فشكل أحد التجليات المحورية للسارد الذي حاك مصائر الشخصيات بحرفية قربتها كثيرا من نماذج الواقع..
الأغنيات بين الأحداث والشخصيات
ويرى الناقد عماد الدين ابراهيم أن الرواية تندرج في إطار الأدب الواقعي الملتزم بقضايا الفقراء والمظلومين والمهمشين الذين لاتهتم بهم كتب التاريخ، والرواية تصورهم كما هم في واقع الحال، يعانون الفقر والإهمال واللامبالاة والتسليم بالقضاء والقدر.
ولعل أكثر مايلفت النظر في الرواية هو حضور الأغنية بشكل كبير في ثنايا السرد والحوار كدافع للسرد إلى الأمام ومحفز للشخصيات على البوح والتذكر والاسترسال، وقد كانت الأغنيات معبرا عن الكثير من الأفكار والمواقف لبعض الشخصيات في الرواية، لابل كانت بديلا عن الحوار.
لقد اشتغل الحسن على روايته بحب وعناية واهتمام واضعا فيها جزءا من حياته مصورا مجتمعه الصغير بين هؤلاء العمال بما ينطبق على المجتمع الأكبر والأوسع، كما برع في توظيف الأغاني لتكون رافدا مهما جدا للسرد، وعبر بدقة عن هموم وعواطف شخصيات الرواية، فالمغنى حياة الروح فما بالك إذا كانت الروح متعبة مهمومة، حينها يصبح الغناء الملاذ الأخير لأصحاب الأرواح المتعبة.
تميزت الندوة بمداخلاتها الغنية التي شكلت قيمة مضافة للحوار والنقاش وموضوع الرواية الذي يلامس الإنسان البسيط المهمش في الصميم.
فاتن أحمد دعبول
التاريخ: الأثنين 4-3-2019
رقم العدد : 16923