على التوازي تماماً من تلك الحكاية اللاهبة حبّاً وعاطفةً، تتوارى أخرى في ثنايا حرب معلنة ظاهرية بين قطبي علاقة غرامية هما الموسيقي فيكتور «توماش كوت» والفتاة زولا «يونا كوليغ» التي تكون واحدة من متقدمات كثيرات لفرقة يبتغي فيكتور إنشاءها لغاية إحياء الفولكلور البولندي.
وفق سيرورة الحكاية بين الطرفين التي يرصدها فيلم (حرب باردة، Cold war) تنكشف التفاصيل نحو بقعة أحداث أكبر من مجرد قصة عشق.. تتدحرج الأمور عوداً إلى حقبة الحرب الباردة تحديداً من نهاية أربعينات وصولاً إلى بداية ستينيات القرن الماضي، الفترة الزمنية التي استمرت خلالها علاقة كل من فيكتور وزولا.. ولتكون الخلفية التاريخية مواكبة لحرب صحبها تحوّلٌ على صعيد الحياة السياسية في تلك البقعة الجغرافية.. تحوّلٌ ينعكس على مختلف جوانب الحياة بما فيها الفنية.. فيجد فيكتور نفسه مضطراً لمسايرة مرحلة صبغت كل شيء بنكهتها.
ويبدو أن نقطة التحوّل الأكبر كانت حين علم بأنه مراقب ليقرر الهرب مع زولا التي لن تأتي إلى موعد الهروب حين كانا في جولة مع الفرقة في ألمانيا.. هكذا يفترق الحبيبان.. يمضي هو إلى العيش في باريس، وتعود هي إلى بولندا.
في «حرب باردة» ثمة نوع من اللعب على توصيف (البرودة).. لوهلة تعبّر عن الحقبة الزمنية التي جاءت خلفيةً للأحداث، وتجسّد بالوقت ذاته حالة برودة رافقت علاقة الحب المتواترة، بمعنى كان ثمة نوع من برودة خلال فترات البعد.. لكن سرعان ما تنعدّم حين يلتقي الاثنان من جديد. على هذا النحو تجددت علاقتهما أكثر من مرة.. وفي كل مرة يكسوها توهّج الحب وشغف العشق.
بالأبيض والأسود يروي مخرج الفيلم «بافيل بافيلكوسكي» حكايته، ويبدو أنها أسلوبية يستخدمها كبصمة مميزة، سبق وخبرها في فيلمه (آيدا) الذي نال عنه أوسكار أفضل فيلم أجنبي 2013، وكما لو أنها، هنا في «حرب باردة»، تسحب معها نوعاً من مصداقية شكّلت إطاراً غلّف العمل بظرفية اللحظة التي يتحدّث عنها.
العمل الثاني لـ(بافيلكوسكي) وكان ضمن أفلام رُشّحت لجائزة أفضل إخراج لأوسكار 2019، يستريح من برودة مزدوجة عبر عرض فنيات في الرقص والموسيقا كما الغناء.. ما أضاف بعداً جمالياً لحالة الحب ومنحها ألقاً خاصاً لاسيما في كل مرة غنّت فيها زولا.
اللطيف في الفيلم أنه لا يركن لنوع من المبالغة بإظهار عواطف العاشقين ولا يبالغ كذلك في سحب تفاصيله صوب بهرجة مشاعر بغاية استجرار أحاسيس المتلقين.. فلا استجلاب لأي زياداتٍ أو فائضٍ في الحب.. وبذات الوقت لا يغوص عميقاً في مساوئ مرحلة زمنية.. وكل الذكاء يبدو بتلك الطريقة الشفافة التي عبّرت عن سوء مرحلة دون مباشرة.
عُرض (حرب باردة، Cold war) في معهد (Altc) ضمن نشاطه السينمائي الذي بدأ تظاهرة أفلام الأوسكار بهذا الفيلم مؤخراً.
لميس علي
lamisali25@yahoo.com
التاريخ: الأثنين 4-3-2019
رقم العدد : 16923