يحلمون بزوجة وأولاد .. ويسعون نحو الاستقرار .. فالبيت حلم , ومن رابع المستحيلات تأمينه أو تحمل اجاره ,وبحسبة سريعة, يجدون أن أبسط متطلبات الارتباط تذهب بالعقول .. وتتلوى الآه في صدورهم عند سماع تكاليف الخطبة والزواج , فالكثير من أقرانهم انتظم أولادهم في المدارس.وهم مازالوا يعاركون جداول الضرب والحساب لجدولة مصاريفهم على رقع مدخولهم ورواتبهم.
وبتقريب الصورة على المشهد الواقعي لحياة الشباب للوقوف على الصعوبات والعقبات التي تعترض زواجهم وارتباطهم مع الشريك نجد البعض منهم يرفض الحديث في هذا الموضوع على اعتباره نكأ للجراح دون فائدة يرجى منها.
في حين حاورنا الآخرين من مبدأ (أن معرفة الداء والدواء لا يجعل اليد ذات حيلة)
– كندة شابة تقارب الثلاثين (موظفة) قالت: صدقا لا أعرف كيف مرت السنوات سريعا وكأنني لم أفطن لها إلا مؤخرا حين تقدم لخطبتي عن طريق بعض المعارف شاب وحين عرف عمري رفض وقال إنني كبيرة عليه ولا أناسبه مع أنه يكبرني بعامين ,لم أتأسف عليه لأن الشخص الذي يكون تفكيره ضيقا ولا يعنيه من شريكة حياته وأم أطفاله سوى أن تكون صغيرة السن فهذا إنسان لا أستطيع الارتباط به , والفرص التي أتتني كانت قليلة وغير مناسبة ولن أتزوج إلا شخصا يقبله عقلي حتى لو بقيت كل عمري بلا زواج.
معاناة كل الشباب
– سميرة موظفة :الزواج في مجتمعنا محكوم بعدة أمور يبدو أن البعض لا يستطيع تجاوزها وهي أن المرأة ذات المستوى التعليمي العالي لا تستطيع أن تتزوج من شخص غير مناسب ، وبالنسبة لي لم أصادف الشاب المناسب رغم انخفاض مستوى طلباتي، كل ما أريده شاب خلوق ذا سمعة طيبة وبات الالتقاء بالشريك تحكمه أحيانا الصدف والحظوظ وأنا ضمن شابات كثيرات لم نلتق بالشاب الشريك وهذه مشكلة اجتماعية قد يكون للظروف الحالية يد فيها.
الشاب أحمد ( 37 سنة): كيف أتزوج وظروفي المعيشية سيئة جدا وراتبي يكاد لا يسد إلا أبسط الحاجيات، فأنا ووالدي نتشارك في مصروف وأجار مأوى لنا في بيئة شعبية (تحت مسمى بيت). هكذا حالنا , فكيف أجلب بنت الناس إلى هذا البيت وهو يكاد لا يكفينا , وأي فتاة تقبل بشاب لن يستطيع أن يقدم لها أكثر من خاتم زواج , وأمثالي الشباب كثيرون فنحن نعمل ليل نهار ومع ذلك مواردنا قليلة , وظروف أهلنا أيضا متعبة لا يستطيعون مساعدتنا في ظروفنا الحالية كما كانت تفعل كل الأسر في السابق.وكم نتمنى من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أو أي جهة حكومية أن تهتم بالشباب وتساعدهم في هكذا موضوع، فالزواج حصانة وحفاظ لأخلاقهم ونحن مستعدون لعمل أي شي في سبيل تحقيق حياة مستقرة لفئة الشباب وخصوصا في موضوع السكن الذي بات هماً ومعاناة حقيقية لمعظم السوريين.
الوعي أولاً
وفي تأخر سن الزواج عند الشباب تقدم الدكتورة رأفات أحمد أحمد رأيها وهي اختصاصية في التشخيص والعلاج النفسي وأستاذة في كلية التربية بجامعة دمشق فتقول:الحقيقة أنني أميل دائما نحو استخدام مصطلح ارتفاع سن الزواج في سورية بدلا من مصطلح تأخر الزواج والسبب في ذلك انه في مجتمعاتنا العربية عموما كانت الفتاة تتزوج بسن مبكر (١٢ – ١٤) سنة ، ولكن وبفضل تقدم المجتمع وحملات التوعية العلمية والاجتماعية تمت محاربة هذه الظاهرة والحد منها وبالتالي ارتفع سن الزواج ، وهذه ظاهرة صحية نؤيدها ونطالب بها. فهناك عدة عوامل أدت لارتفاع سن الزواج كانت بدايتها قد انطلقت من حالة الوعي لدى الأسر السورية ، ويشمل الوعي الصحي والاجتماعي والنفسي والتطور المعرفي حول طبيعة الزواج والشراكة بين الرجل والمرأة وإدراك أهمية وصول المرأة والشاب لمرحلة النضج الجسدي والنفسي والاجتماعي ، فلا يكفي وصول الفتاة لسن البلوغ لنعتبره مؤشراً على أنها أصبحت ناضجة جسديا ونفسيا لتدخل الحياة الزوجية بأمان ، بل بات من الضروري أن يكون الشريكان في وضع من النضوج النفسي والعقلي والاجتماعي والصحي وليس فقط النضوج الجسدي. فوصول الفتاة إلى سن ما بعد الـ١٨ يكون جسدها قد اكتمل نموه صحياً وفيزيولوجياً وأصبحت واعية لنفسها وللآخر ولطبيعة العلاقة مع الرجل ، وأهمية الشراكة معه ومفهومها وما يعنيه وجود شخصين سيسيران بدرب الحياة جنباً إلى جنب.
وأيضاً زيادة وعيها بدور الرجل في حياتها الزوجية ،فهو ليس مجرد ذكر قادر على الإنجاب والإعالة المادية ، بل هو معها في صميم وجوهر العلاقة الزوجية والأسرية ، ويضطلع بدور داعم ومساند لها ولأسرته لدوره البارز في استقرار الأسرة وفي تربية أطفاله وتعليمهم وهو بوصلة التوعية والإرشاد والتوجيه للبيت إلى جانب زوجته بقدر ما يتمتع من علم ومعرفة وخبرة ونضوج نفسي واجتماعي وهذا أيضاً جانب من جوانب ارتفاع سن الزواج.
ومن ناحية أخرى تضيف الدكتورة رأفات حول الأسباب الاقتصادية السائدة في المجتمع لارتفاع سن الزواج بأنه: في مرحلة سابقة وبحسب الطبيعة الجغرافية لسورية ووجود مساحات زراعية ورعوية كبيرة تحتاج إلى عدد كبير من أفراد الأسرة للقيام بالأعمال الزراعية ورعاية المواشي ،في هذه الظروف كان من المطلوب أن يكون عدد أفراد الأسرة كبيراً، وكان المطلوب من المرأة أن تنجب عدداً كبيراً من الأولاد وبالتالي عليها أن تتزوج بسن مبكرة لتستطيع أن تقوم بذلك أما الفتاة التي تجاوزت سن ٢٥ فإنها تقريباً غير قادرة على أداء هذه المهمة ، ومع التطور العلمي والصناعي الكبير ودخول الآلات الحديثة ، تم الاستغناء عن الكثير من الأيدي الأسرية العاملة في الزراعة، وأصبح إنجاب عدد كبير من الأولاد غير مقبول حالياً.
التحصيل العلمي سبباً
لوحظ في الآونة أن أكثر المتأخرات في سن الزواج هم من فئة المتعلمات, وتعلل الدكتورة رأفات :إن من الأسباب الأخرى الهامة في تأخر سن الزواج هو رغبة الشاب والفتاة بالدخول إلى الحياة الزوجية مسلحين بالعلم والوعي وأن يكونا أهلاً لهذا الارتباط، وخاصة المرأة التي تغير مفهومها تجاه هذه العلاقة والشراكة فهي تفضل أن تدخل حياتها الزوجية متعلمة ومثقفة وحاملة للشهادات ومواكبة لتطورات الحياة.فهي ترفض الزواج قبل حصولها مبدئيا على شهادة البكالوريا ومعظم الأهل يؤيدون هذه الرؤية.
التأخير بقرار شخصي
هل تقرر فئة الشباب التريث بالارتباط وتؤجل فكرة الزواج ، تضيف الدكتورة رأفات نعم يمكن أن يأخذ الشاب قرارا بعدم البحث عند الشريك حتى يستطيع أن يكوّن نفسه ومستقبله العلمي والمهني لحين الحصول على العمل أو الوظيفة ويتوفر لديه المقدرة المالية لأن الاستقرار العلمي والوظيفي يمهد للاستقرار العائلي ،إضافة إلى غلاء المهور والأسعار وتكاليف الزواج التي أثقلت كاهل الشباب.
ارتفاع سن الزواج أو تأخره ظاهرة مجتمعية لها تشعبات اقتصادية تتطلب حراكا مؤسساتيا على المستوى الرسمي والأهلي لتسهيل فرص الزواج أمام الشباب لتكوين الأسرة التي هي نواة المجتمع وحصنه المنيع.
ثناء أبو دقن
التاريخ: الثلاثاء 5-3-2019
الرقم: 16924