دور الأســـــرة فـــــي تعـــــزيــــز الــــوعــــي والقـــــدرة علــــى العمـــــل..العائلة ..شراكة إنسانية وليست شركة
تزاحمت الأفكار وتنافست العناوين عندما طلبت منا رئيسة الدائرة أن نبدأ أولى ملفاتنا المجتمعية بالكتابة عن الأسرة ،تحاول كل منها فرض نفسها لتحضر في مقالتي ،احترت تحت مسؤولية خيار ،يفرض علي أن أعطي هذه المؤسسة المقدسة حقها في طرح أي فكرة أتناولها على صفحات جريدتنا .
أسئلة كثيرة خطرت بالبال ..هل أتناول هموم الأسرة المعيشية في ظل حصار اقتصادي جائر ،باستعراض لماراثون جري وراء لقمة عيش ،وإطلاق نداءات نجدة لإغاثة المواطن الملهوف من سعير الأسعار .. بمنظومة إغاثة تكافلية تكاملية ،أم استفيض الحديث عن ثقافة تربوية أسرية قليلها يؤتي بثمار ناضجة ،وهل يا ترى مقارنة أسرة الأمس (قبل الأزمة )بأسرة اليوم يجدي ويصلح لهذا المقام ؟
رأي صرح به أحد الزملاء أشار إلي بحسم أمر الكتابة ،يفصح هذا الرأي عن مخاوف كثيرة وهواجس تتعلق بكلمة الأسرة ،التي اختصر مفهومها بالهموم والواجبات وهو لم يخبر بعد هذه المسؤولية ويخشى الإقدام على الزواج ،وتكوين أسرة.
شبان وشابات …يطاردهم شبح مفهوم أو مصطلح العنوسة ..بعضهم حقق ذاته ماديا والآخر معنويا ..وصلوا إلى أعلى المراتب العلمية واحتلوا أرقى المناصب ،أغلبهم يصرح باكتفاء ذاتي مادي ومعنوي ..وفي جلسة مصارحة يؤكدون أن للأقدار سبق في هذا الأمر.
أسباب كثيرة وراء عزوف الشباب عن الزواج ،بعضها تبطل العجب وبعضها تدعو إلى العجب وأسباب كثيرة يفرضها واقع مرير،ومهما تكن الأسباب والمبررات فنحن أمام ظاهرة مقلقة أولا لأنها أخذت بالتوسع لتنال من الذكور أيضا ،ثانيا والأهم لظواهرها الاجتماعية السلبية التي تؤثر على الأسرة والمجتمع وعلى الأمن الاجتماعي .
نظرة حسابية مجردة
لفك خيوط هذه الكبة المتشابكة الأسباب والنتائج.. ولتشجيع الشباب تحمل المسؤولية الأسرية بحب التقينا مع أهل الاختصاص للحديث عن هذه الظاهرة وأبعادها وأسبابها المرشدة رولا إمام ،مقدمة دعم نفسي واجتماعي في عيادة باب مصلى جمعية تنظيم الأسرة حيث قالت: العزوف عن الزواج ظاهرة موجودة كل المجتمعات وفي كل الأزمنة وإن كانت في عصرنا لافتة للنظر خصوصا بعد الأزمة، ولم تعد تقتصر على النساء وإنما أصبحت تطال الرجال أيضا ، وقد تكون الأسباب عضوية مرضية وهذه حالات قليلة جداً وفي أكثر الأحيان الأسباب نفسية اجتماعية وبعض الشباب يريد أن يكون حرا طليقا لا يتحمل مسؤولية الزوجة والأبناء وبعضهم يصر على التقارب في المستوى التعليمي والتأهيلي وبعضهم يبالغ في تحديد مواصفات شريك الحياة فيطمح للزواج المثالي من حيث الجمال والمال والوظيفة، والبعض تسود لديه أفكار لاعقلانية عن الزواج وينظرون إلى الزواج نظرة حسابية خالية ومجردة من الجوانب الوجدانية والعاطفية فالزواج بنظرهم شركة وليست شراكة إنسانية وهو بنظرهم ضياع لأحلى أيام العمر قاتل للسعادة تكون الأسباب اقتصادية تتمثل في ارتفاع تكاليف الزواج ونفقاته الباهظة بدءا من صعوبة الحصول على مسكن وارتفاع الإيجارات وغلاء المهور وتوابعها، فضلا عن مشكلة البطالة لدى الشباب وإذا وجد فرصة عمل فالراتب لا يكفي لبناء أسرة وبالتالي عليه الانتظار لسنوات ليجمع المهر الخرافي ويؤمن تكاليف الزواج الباهظة بها يبدأ المجتمع وعليها يعتمد.
وتتهم إمام الحياة العصرية التي يعيشها الشباب والحرية الزائدة والرغبة في حياة مرفهة وتفكك الروابط المقدسة بين أفراد الأسرة وسيطرة الذاتية والأنانية كل هذا غير النظرة للزواج وشجع العزوف عنه والعازف عن الزواج يعيش حياة تطغى عليها الفردية والأنانية فهو يعيش لنفسه ولا يفكر في الآخرين ومع الوقت تترسخ هذه القيم عنده وتتخذ الحياة منحى آخر وتزداد أنانيته واهتمامه بنفسه، وهذا يؤثر على استقراره العاطفي والنفسي وعلى توازنه وعلاقته مع الآخرين وقد يقول البعض أنه يعطي أكثر هذه ليست قاعدة وإنما استثناء فالأسرة تخفف من التوترات النفسية التي تعيق الإنتاجية وتمنح الثقة والدافعية للعمل بجد واجتهاد وهي المقدمة الطبيعية لاستقرار الإنسان وسعادته وسلامته النفسية والجسدية والاجتماعية ويتحقق من خلالها إشباع رغباته وحاجته بشكل سوي ويحقق الفرد حلمه ويؤكد آدميته وجدوى وجوده، وبالزواج يتحقق استمرار وحفظ النوع البشري، وبقدر ما تكون الأسرة متماسكة وقوية برأيها يكون المجتمع مترابطا، وعلينا أن لا نغفل عن الدور الإنجابي الذي ينعكس إيجابا على اقتصاد الدولة إن أحسن المعنيين استثمار الطاقات والخبرات التي تساهم في بناء الوطن وحمايته.
وكذلك لا يوجد مخلوق على وجه الأرض يستطيع إنكار دور الأم في بناء الأجيال .
أخيرا للحد من اتساع هذه الظاهرة لابد من تغيير مفاهيم كثيرة في مجتمعنا عن الزواج ودور الزوج والزوجة والتخلي عن المظاهر المادية بشأن المهر وتكاليف الزواج، ولابد من جهود مجتمعية حكومية أهلية لحل أزمة البطالة والسكن وغيرها لتسهيل بناء الأسرة ومنها يبدأ المجتمع وعليها يعتمد في الاستقرار والقوة والعمار .
رويده سليمان
التاريخ: الثلاثاء 5-3-2019
الرقم: 16924